ذكريات الحجّ 1 ـ الشّوق و الحنين

 

ذكريات الحجّ 1

الشّوق و الحنين

 

 

 الحمد لله و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله.

ثمّ أما بعد,

فاعلم أخي رعاك الله أنّه منذ أن أمر الله تعالى خليله إبراهيم فقال له: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ" [ الحج27 ] و في كل عام في موسم الحج تشتاق النّفوس المؤمنة و تحنّ لزيارة المسجد الحرام لأداء فريضة الحجّ من طواف و سعي و رمي للجمار و ذبح للهدي و حلق و تلبية لله الواحد و لكن هل سألت نفسك يوما عن ذكريات هذه الفريضة العظيمة؟

أخي الحبيب إنّ فريضة الحج لها ذكريات عظيمة, أودّ أن أصحبك مع هذه الذكريات و التي تبدأ بالشوق و الحنين و تمر بالتضحية و الفداء و تنتهي بالبناء و التشييد.

و في هذا اللقاء مع أولى الذكريات , مع الشوق و الحنين, إنّه شوق خليل الرحمان إبراهيم و حنينه لنعمة الولد بعد أن بلغ من الكبر عتيّا و كانت زوجه سارّة عليها السلام عاقرا لا تلد و اشتاق الخليل لنعمة الولد و من المعلوم أن الله تبارك و تعالى إذا أراد أمرا هيّأ له الأسباب و هو سبحانه بعطي بأسباب و بغير أسباب فعندما مر الخليل على مصر في صحبته زوجه سارّة و عندما رأى ملك مصر من تقوى سارّة و ورعها الكثير ممّا دفعه أن يهديها إبنته هاجر- فهاجر ابنة ملك مصر كما رجّح هذا العلاّمة ابن القيّم في كتابه القيّم الموسوم بفقه السيرة- فلمّا رأت سارّة شوق الخليل لنعمة الولد و هي عاقر لا تلد عرضت على إبراهيم الزواج من هاجر عليها السلام فكان من ثمرة هذا الزواج المبارك غلام حليم هو نبي الله إسماعيل عليه و على نبيّنا أفضل الصلاة و أزكى التسليم.

  قال الله تعالى حاكيا عن خليله إبراهيم:

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ, رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ, فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ "[الصافات 99 ـ 101]                                                          

و بعد أن حقّق الله أمنية خليله و أعطاه الولد جاء الإختبار و الإمتحان الشديد بأرض الحجاز حيث لا أنيس و لا جليس و لا زرع و لا ضرع و استجاب الخليل لأمر الجليل و ترك زوجه هاجر و ولده إسماعيل بجوار بيت الله الحرام تنفيذا لأمر الله و عاد بعد أن دعا الله فقال:

"رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" [ابراهيم37]                                                                         

فماذا حدث بعد لك؟

تركهما الخليل و معهما القليل من أسباب الدنيا, بعض التمر و بعض الماء فكانت هاجر تأكل من التمر و تشرب من الماء و تُرضع إسماعيل عليه السّلام و مرّت الأيّام و نفد التمر و نفد الماء و بدأ إسماعيل عليه السّلام يأخذ في البكاء فما تفعل هذه الأمّ الرحيمة أمام بكاء طفلها و هي في صحراء جرداء؟

 نظرت إلى جبل الصفا -يوم أن كان جبلا- فخُيّل لها أنّه هناك شئ فهرولت حتى صعدت فوق الصفا فلم تجد شيئا فنظرت إلى الجهة المقابلة إلى جبل المروة فخُيّل لها شئ فنزلت من فوق الصفا مهرولة و هي الضعيفة المتعبة إلى جبل المروة فلم تجد شيئا فظلت تسعى بين الصفا و المروة سبعة أشواط, في المرة السابعة سمعت صوتا ثم انقطع الصوت ثم تكرّر ثم انقطع فقالت هاجر:اللّهم يا غوّاث المُستغيثين أغثنا يا رب العالمين, فنزل جبريل عليه السلام و ضرب الأرض بجناحه تحت قدمي إسماعيل فانفجر بئر ماء بقدرة الله تعالى فنزلت هاجر تُحجّز على الماء و هي تقول: زم زم, فسُمّي البئر زمزم و أصبح السعي بين الصفا و المروة سبعة أشواط منسكا من مناسك الحجّ و كذلك الشرب من ماء زمزم شعيرة من شعائر الحجّ تخليدا لذكريات التّوكل الصحيح على الله عزّ و جلّ و كانت هذه ذكرات الشوق و الحنين...

 

اللّهم اكتب لنا حجّة قبل الممات و يسّر لحجيج بيتك الحرام هذا العام حجّهم و اجعل سعيهم مشكورا و ذنبهم مغفورا و حجّهم مبرورا اللّهم آمين. 

 

 

كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد
سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية
إقليم السارلند ساربروكن ألمانيا