الحمد لله و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنّ محمدا رسول الله.
ثمّ أمّا بعد,
اعلم أخي رعاك الله أنه بعد اجتياز الخليل الاختبار الشديد بذبح ولده إسماعيل و كان الفداء بذِبح عظيم , مرت الأيام و ترعرع إسماعيل بين قبيلة جُرهم التي ساقها الله تعالى إلى أرض الحجاز و تعلّم اللغة العربية منهم و تزوّج امرأة منهم و جاء الخليل يوما لزيارة ولده إسماعيل فطرق باب فخرجت له الزوجة فسألها أين إسماعيل؟ قالت: هو في الخارج. قال: من أنت يا ابنتي؟ قالت: أنا زوجته. قال: كيف حالكما؟ فاشتكت الضّيق و الشدّة في العيش و أخرجت سرّ بيتها, فقال لها الخليل: يا ابنتي إذا عاد إسماعيل فقولي له يقول لك الشّيخ الكبير غيِّر عتبة بابك. فلمّا عاد إسماعيل حكت له ما حدث فقال لها: هذا أبي إبراهيم عليه السّلام يأمرني بفراقك فأنت بئس الزوجة, الحقي بأهلك, و فارقها. ثمّ تزوّج بامرأة صالحة و مرّت الأيّام و عاد الخليل لزيارة ولده فطرق بابه فخرجت الزوجة فسألها: أين إسماعيل؟ قالت: في الخارج قال: من أنت؟ قالت: أنا زوجته. قال لها: كيف حالكما؟ قالت: نعم الحال, نعيش في نعمة و خير, فقال لها: يا ابنتي ما طعامكما؟ قالت: الثريد و التّمر. قال: بارك الله لكما في الثّريد و التّمر ثمّ قال لها: يا ابنتي إذا عاد إسماعيل فقولي له, يقول لك الشّيخ الكبير ثبّت عتبة بابك. فلمّا عاد إسماعيل و حكت له ما حدث قال: إنّه أبي إبراهيم عليه السّلام يأمرني بالتّمسّك بك فأنت نعم الزوجة.
و مرّت الأيّام و عاد الخليل بأمر جديد من الله تعالى, إنّه أمر بالبناء و التّشييد للبيت الحرام فذهب الخليل إلى ولده إسماعيل ليشاركه في البناء و بدأ عملية البناء.
كان إسماعيل يحمل الأحجار و يأتي بها إلى الخليل ليرفع القواعد من البيت، يقول الله تعالى:
و عندما رفع إبراهيم القواعد قدر ما تصل يده طلب من إسماعيل أن يأتي بحجر كبير ووقف فوقه ليُكمل البناء، قيل إنّ الحجر لان تحت قدميه ليثبت فوقه و قيل إنّ إبراهيم هو الذي حفر لقدميه موضعا فوق الحجر ليتمكن من الثّبات فوقه ليُكمل البناء و هذا الحجر المعروف بمقام إبراهيم، لذا أصبح من شعائر الحجّ و العمرة صلاة ركعتين خلف مقام إبراهيم، قال الله تعالى: " وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" [البقرة 125]
و لمّا أتمّ إبراهيم البناء جاء الأمر من الله أن يُؤذّن في النّاس بالحجّ فقال إبراهيم: يا رب فيمن أُؤذّن و من يسمع صوتي؟ فقال الله: يا إبراهيم عليك الآذان و علينا البلاغ. و أذّن الخليل و بلّغ الله النداء للعالمين. ففي كلّ عام تشتاق النّفوس لهذه الفريضة العظيمة، فريضة الحجّ. كانت هذه ذكريات هذه الفريضة العظيمة.
و بعد فقد عشنا مع ذكريات الحجّ و التي بدأت بالشوق و الحنين و مرّت بالتّضحية و الفداء و انتهت بالبناء و التّشييد... و الحجّ ركن ركين من أركان الإسلام فيه مغفرة للذنوب.
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النّبي-صلى الله عليه و سلّم- قال:" من حجَّ لله فلم يرفُثْ و لم يفسُق رجَعَ كيومِ ولدتْه أمُّه" [رواه البخاري و مسلم]
و الحجّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة.
فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أيضا أنّ رسول الله-صلى الله عليه و سلّم- قال: " العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما و الحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلاّ الجنّة" [رواه البخاري و مسلم]
فاللّهم اكتب لنا حجّة قبل الممات و اغفر لنا و ارحمنا و اجعلنا من عبادك الرّاشدين اللّهم آمين.