- التفاصيل
-
كتب بواسطة: admin
-
المجموعة: كتب
الرسالة النّدية في الحبّ في الله وضوابطه الشّرعية
الحمد لله الواحد الأحد،الفرد الصمد،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله الملك الحق المبين،قيُّوم السّماوات والأرضين، مُدبّر الخلائق أجمعين باعث الرّسل صلوات الله و سلامه عليهم إلى المُكلّفين لهدايتهم و بيان شرائع الدّين بالدلائل القطعيّة و واضحات البراهين، أحمده سبحانه على محاسنه وإحسانه وأسأله الزيادة من فضله وإنعامه.
وأشهد أنّ محمّدًا عبدُه و رسوله و صفيّه من خلقه و خليله المخصوص بجوامع الكَلِم وسماحة الدِّين صلوات الله و سلامه عليه وعلى سائر النّبيّين وعلى آل بيته الأطهار وصحبه الأخيارالغُرّ الميامين وعلى مَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمّا بعد:
فاعلم أخي رحمك الله أن من نعم الله الجليلة ومِنَنِهِ العظيمة الحبَّ في الله بين عباده الموحّدين الذين استجابوا لله واتبعوا هُدى المرسلين قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[ آل عمران 103]
والحبّ في الله تعالى فضل من الله تعالى الذي ألّف بين قلوب عباده الموحّدين،هذا الفضل يحتاج إلى مزيد شكر قال الله تعالى:(وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الانفال 63]
وقد قرّر الله سبحانه وتعالى مبدأ الأخوة الإيمانية القائمة على أساس الحبّ في الله في كتابه الكريم فقال الله تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات 10]
وقد وردت نصوص كثيرة في السنّة المطهرة تحثّ على الحبّ في الله وترغّب فيه وتبيّن فضله ومنزلة أهله نذكر منها:
1-عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان: أنْ يكونَ اللَهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مِمَّا سواهُما، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يُحبّه إلا لله، وأنْ يكرهَ أن يعودَ في الكُفْرِ كما يكرهُ أن يُقذف في النّار». [أخرجه البخاري كتاب الإيمان باب حلاوة الإيمان برقم 16 ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان خصال من اتصف بمن وجد حلاوة الإيمان برقم 67 و68 بلفظ:«ثلاث من كنّ فيه وجد طعم الإيمان»]
2-عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:« سبعةٌ يُظِلَّهُمُ الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ:الإمامُ العادلُ وشابٌ نشأ بعبادة الله، ورجلٌ قلبه مُعلّقٌ في المساجد ورجلانِ تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجلٌ دعتْهُ امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال: إنِّي أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتّى لا تعلمَ يمينُهُ ما تنفقُ شِمالُهُ ورجلٌ ذكَرَ اللهَ خَالِيًا ففاضَتْ عيناه ». [ أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب: من جلس في المسجد ينتظرالصلاة وفضل المساجد حديث:660 وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة باب: فضل إخفاء الصدقةحديث:1031 وأخرجه الترمذي في كتاب الزهد باب: ما جاء في الحبّ في الله حديث:2391]
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« من أحبّ أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله ». [حديث حسن انظر الحديث رقم:5958 في صحيح الجامع للشيخ الألباني رحمه الله]
4 عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:«أوثق عرى الإيمان:الموالاة في الله والمعاداة في الله والحبُّ في الله والبغضُ في الله عزّوجلّ ». [ حديث حسن انظر الحديث رقم:2539 في صحيح الجامع للشيخ الألباني رحمه الله تعالى]
5-عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:« إنّ رجلاً زار أخًا له في قريةٍ أخرى فأرصد اللهُ في مدرجته (طريقه) ملكًا، فلما أتى عليه قال:أين تريد؟ قال:أُريد أخًا لي في هذه القرية قال:هل لك عليه من نعمة تربُّها؟ قال:لا غيرأنِّي أحببتُه في الله عزّوجلّ قال: فإنِّي رسول الله إليك بأنَّ اللَهَ قد أحبّك كما أحببته فيه ». [أخرجه الإمام مسلم في صحيحه(1988\4) ورقمه:2567]
والأحاديث في فضل الحبّ في الله والحثّ عليه كثيرة نكتفي بما ذكرنا.
· تعريف الحبّ في الله:
ـ لغة :
قال ابن منظور:الحبُّ نقيض البغض والحبّ والوداد والمحبة
وأحبه فهو مُحب وهو محبوب. وتحبب إليه: تودد وامرأة محبة لزوجها ومحب أيضًا والحب: الحبيب
وقال الفيروز آبادى: الحبُّ:الوداد كالحِباب والحِب بكسرهما.
أحبَّه وهو محبوب على غير قياس، وتحابوا:أحبَّ بعضُهم بعضًا.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: هذه المادة تدور على خمسة أشياء في اللغة:
أحدهما: الصفاء والبياض ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها: حَبَبُ الأسنان.
الثاني: العُلو والظهور ومنه حبب الماء وحبابه: وهو ما يعلوه عند المطر الشديد.
الثاث: اللزوم والإثبات: ومنه حَبَّ البعير وأحب إذا برك ولم يقم.
الرابع:اللُّب ومنه: حبَّةُ القلب، للبِّه وداخله.
الخامس: الحفظ والإمساك ومنه: حب الماء للوعاء الذي يحفظ فيه.
ولا ريب أنّ الخمسة من لوازم المحبّة فإنّها صفاء المودّة وهيجان إرادة القلب للمحبوب وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزومًا لا تفرقه ولإعطاء المُحبّ محبوبَهُ لبَّهُ وأشرف ما عنده وهو قلبه ولاجتماع عزماته وإراداته وهمومه على محبوبه فاجتمعت فيها المعاني الخمسة. [نقلاً عن الدكتور: فالح بن محمد بن فالح الصغيّرحفظه الله أستاذ السنّة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في شرح حديث ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من سلسلة أحاديث في الدعوة والتوجيه (12)]
ـ اصطلاحًا: قال ابن أبي العزّ: هي تعلق قلب المحبّ بالمحبوب ثم قال: وقد اختُلِفَ في تحديد المحبّة على أقوال نحو ثلاثين قولاً ولا تحدُّ المحبّة بحدٍّ أوضح منها فالحدود لا تزيدها إلا خفاءً وجفاءً وهذه الأشياء الواضحة لا تحتاج إلى تحديد كالماء والهواء والتراب والجوع والشبع ونحو ذلك.
وقد ذكر في تعريف العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ثلاثين قولاً منها: المحبّةُ: سفر القلب في طلب المحبوب ولهج اللسان بذكره على الدوام.
ومنها: أن لا يؤثر على المحبوب غيره وأن لا يتولّى أمورك غيره.
إيثار المحبوب على جميع المصحوب.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى:«أصلُ المَحبَّةِ الميْلُ إلى ما يوافق المُحِبَّ، ثمّ الميْل قد يكون لما يستلذُّهُ الإنسانُ ويَسْتَحْسِنهُ كَحُسْنِ الصورة والصوت والطعام ونحوها، وقد يَسْتَلِذُّه بعقِلِه للمعاني الباطنة كمحبَّةِ الصالحين والعلماء وأهل الفضل مُطلقًا وقد يكون لإِحْسَانِهِ إليه ودَفْعِهِ المَضَارَّ والمَكَارِهَ عنه وهذه المعاني كُلُّهَا موجودة فيالنّبي صلى الله عليه وسلم لِمَا جَمَعَ من جمال الظاهر والباطن وكمال خِلال الجلال وأنواع الفضائل وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إِيّاهُمْ إلى الصراط المستقيم ودوام النِّعَم و الإبعاد من الجحيم ».
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح، قال البيضاوي رحمه الله: المراد بالحُبِّ هُنَا الحُبّ العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هَوَى النّفس كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه ويميل إليه بمقتضى عقلِهِ فيَهوَى تناوُلَه فإذا تأمَّلَ المرْءُ أنّ الشارع لايأمُر ولاينهى إلاّ بما فيه صلاح عاجل أوخلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك تمرَّنَ على الإئْتمار بأمرِهِ بحيث يصير هواه تبعًا له ويلتذّ بذلك التذاذًا عقليّا إذ الإلتذاذ العقلي إدراك ماهو كمال وخير من حيث هو كذلك وعبّر الشارع عن هذه الحالة بالحلاوة لأنّها أظهر اللَّذائذ المحسوسة ».
· مراتب المحبَّة:
ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أنّ للمحبّة عشرة مراتب هي:
أوّلها: العلاقة: وهي تعلّق القلب بالمحبوب.
الثانية: الإرادة: وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
الثالثة: الصبابة: وهي انصباب القلب إليه بحيث لا يملكه صاحبه كانصباب الماء في الحدود.
الرابعة: الغرام: وهي الحبّ اللاّزم للقلب ومنه الغريم لملازمته.
الخامسة: المودّة والودّ: وهي صفو المحبّة إلى شغاف القلب.
السادسة: الشغف: وهي وصول المحبّة إلى شغاف القلب.
السابعة: العشق: وهو الحبّ المفرط الذي يخاف منه على صاحبه ولكن لا يوصف به الربّ تعالى ولا العبد في محبَّة ربِّه تعالى والسبب لأنّ العشق محبّة مع شهوة.
الثامنة: التيمم: وهو بمعنى التعبّد.
التاسعة: التعبد قال ابن القيم في روضة المحبّين: وأمّا التعبّد فهو في غاية الذلّ يقال: عبده الحب أي ذلَّله، وطريق معبّد بالأقدام أيّ: مذلل لمن شاء، فمحبّة العبودية هي أشرف أنواع المحبّة وهي خالص حقِّ الله على عباده.
والعاشرة: الخُلَّة: وهي المحبّة التي تخلّلت روح المحب وقلبه.
وأعلى مراتب المحبّة محبّة الله تعالى بتحقيق التوحيد الخالص بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات ثمّ تليها محبّة النّبي صلى الله عليه وسلم محبّة توقير وإجلال واتّباع للمنهج لقوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[ ال عمران 31 ]
ثمّ تليها محبّة الموحدين أهل الإيمان والعمل الصالح وحدّها:
« هو كلّ حبّ لولا الإيمان بالله واليوم الآخر لم يُتصور وجوده فهو حبّ في الله وكذلك كلّ زيادة في الحبّ لولا الإيمان بالله لم تك تلك الزيادة ».
وبناء على ذلك يبني المسلم علاقته وصلته بالآخرين على المحبّة الإيمانية فيحبّ فلانًا لأنّه مؤمن وفلانًا لأنّه مصلٍّ أولأنّه جواد كريم منفق في الخيرأولبرِّهِ بوالديه أولصلته برحمه أولحسن جواره أولصدقه وأمانته و وفائه بعهده أولإحسانه و معروفه على الآخرين فتكون العلاقة علاقة أساسها العقيدة ودستورها القرآن الكريم والسنّة المطهرة.
وعليه فلا تبنى العلاقة على المصالح الدنيوية أوعلى ما يجمعهم من معصية الله تعالى كالذين يجتمعون على فعل الحرام من شرب مسكرأوارتكاب الفاحشة أوسرقة مال أو الإعتداء على الآخرين أومجلس غيبة وخوض في أعراض المسلمين.
وهذه العلاقات- ما عدا العلاقات الإيمانية- زائلة بل تنقلب إلى ويلات وحسرات وعداوات يوم القيامة قال الله تعالى: (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ)[ الزخرف 67]
· من ثمار الحبّ في الله:
1 أن يحظى المرء بحبّ الله له وهذه من أعظم وأجلّ الغايات التي يسعى لها المسلم ففي الحديث القدسي كما جاء في مسند أبي داود الطيالس: حدّثنا شُعْبَة، قال: حدّثنا يَعْلَى بنُ عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن أبي إدريس العَائِذِي قال: أتيتُ عُبادة بن الصامت فقال:لا أحدِّثُك إلاّ ما سمعتُ على لسان محمد صلى الله عليه وسلم :«حقّتْ محبّتي للمُتحابِّين فِيَّ، وحقّت محبّتي للمُتَواصِلِينَ فِيَّ، وحُقّت محبّتي للمُتَصافين فِيَّ أوقال: حقّت محبّتي للمُتباذلين فِيَّ ». [خرّجه الإمام أحمد والحاكم والطبراني وقال الشيخ الألباني رحمه الله حديث صحيح انظر حديث رقم:4321 من صحيح الجامع الصغير]
2 أنّها-المحبّة في الله- سبب للدخول في زمرة الأصناف السبعة الذين يظلّهم الله تعالى في ظلّ عرشه يوم القيامة ونجاتهم من الكرب الشديد.
3 الحبّ في الله سبب من أسباب الحصول على حلاوة الإيمان والتلذّذ بالطاعات والقربات.
4 الحبّ في الله تعالى من أعظم أسباب النّجاة وأن يحشر المرء مع مَنْ أحبّ كما أخبرالنّبي صلى الله عليه وسلم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« عندما سئل، كيف ترى في رجل أحبّ قومًا ولم يلحق بهم؟ فقال: المرء مع من أحبّ ». [أخرجه البخاري:5716 من طريق محمد بن جعفر(غندر) ومسلم 2640 من طريق محمد أبي عدي ومحمد بن جعفر ]
وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا:« قال رجل يا رسول الله متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ فلم يذكر كبيرًا، قال: ولكنّي أحبُّ اللهَ ورسولهُ، قال: فأنت مع مَنْ أحببت ». [أخرجه مسلم:2639 وابن أبي شيبة في مصنفه:3756 واللإمام أحمد في مسنده:12096]
5 ومن ثمار الحبّ في الله زيادة الإيمان فالإيمان عند أهل السنّة قول وعمل يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان، والحبّ في الله من أعظم القربات بها يزداد الإيمان ويحقّق العبد السعادة والراحة.
· من حقوق الحبّ في الله والصحبة:
للصحبة والأخوّة الإيمانية حقوق كثيرة نذكر منها:
1 أن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« لا يؤمن أحدكم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنَفْسِهِ ». [خرّجه البخاري كتاب الإيمان باب: من الإيمان أن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه ص26 رقم13 ومسلم كتاب الطهارة باب:الدليل على أنّ من خصال الإيمان أن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه من الخير ص50 برقم:45].
2 قضاء حوائجهم وتفقّد أحوالهم فقد أُثر عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه أرسل جماعة من أصحابه في قضاء حاجة لأخٍ لهم وقال: مُرُّوا بثابت البُناني فخذوه معكم فمَرُّوا بثابت فقال: أنا معتكف فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال لهم: قولوا له: يا أعمش أما علمت أن سعيك في حاجة أخيك خير لك من حجةٍ بعد حجة فرجعوا إلى ثابت فأخبروه فترك اعتكافه وخرج معهم ».
وقال بن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في لطائف المعارف:
«كان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتنامًا لأجر ذلك، منهم: عامر بن عبد قيس وعمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما وكذلك كان إبراهيم بن ادهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان ».
3 حقّ الأخوة في المال وهذا الحق على ثلاث مراتب هي:
أ أن تنزله منزلة خادمك فتقوم بحاجته من فضلة مالك وأن تعطيه ابتداءً ولا تحوجه إلى السؤال فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حقّ الأخوة.
ب أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته لك في مالك ونزوله منزلتك حتّى تسمح بمشاركته مالك وشاطرته فيه قال الحسن رضي الله عنه:« كان أحدهم يشقّ إزاره بينه وبين أخيه »
ج وهذه هي المنزلة العُليا أن تُؤثِرهُ على نفسك وتقدّم حاجته على حاجتك وهذه منزلة الصدِّيقين وأعلى درجات المتحابين، وقد أثنى الله تعالى على الأنصار بسبب هذا النوع من الأخوّة فقال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[ الحشر9]
وانظر أخي رعاك الله إلى هذا النموذج الفريد من صدق الأخوة الإيمانية.
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جدّه قال:« قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لمَّا قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الرّبيع، فقال سعد بن الرَّبيع رضي الله عنه: إنّي أكثرُ الأنصارِ مالاً فأقسم لك نصف مالي وانظر أيَّ زوجتيْ هَويْتَ نزلتُ لك عنها فإذا حلّت تزوجتها.
قال: فقال له عبد الرحمن:لا حاجة لي في ذلك هل من سوق فيه تجارة؟ قال: سوق قينُقاع.
قال: فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقِطٍ وسمن.
قال: ثمّ تابع الغُدُوّ فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثرُ صُفرةٍ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تَزَوّجْتَ؟ قال: نعم
قال: ومَنْ ؟ قال: امرأةً من الأنصار
قال: كم سُقْتَ؟ قال: زِنَة نواةٍ من ذهب- أو نواةً من ذهب.
فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم: أولم ولو بشاة.»
[أخرجه البخاري الفتح برقم:2048 والأقِطِ: لبن مجفّف يابس مستحجر يطبخ به ″النهاية″ وقوله أثر صُفرة: صُفر الحنوق والحنوق: طِيب يصنع من زعفران وغيره قاله الحافظ في الفتح كتاب النكاح]
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النّبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إنِّي مجهود (لا أجد طعاما) فأرسل النّبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض زوجاته: هل عندكم من شيء؟ فكان هو جوابًا واحدًا ألا وهو: لاوالذي بعثك بالحقّ ما عندنا إلاّ الماء، فقام النّبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وقال: ″من يُضيّف هذا؟″ فقام رجل من الأنصار فقال:أنا يا رسول أُضيِّفه، وأخذه وأسرع إلى زوجته وقال لها: هل عندك من طعام؟ قالت: لا إلاّ قوت صبياني فقال: عَلِّليهم بشيء فإذا أرادوا العَشاء فَنَوِّميهم حتّى يأتي الضيف ثمّ ضعي الطعام وأطفئي السراج كيْ نُشعره أنّنا نأكل معه كيْ يأكل هو و ضعي أمامه الطعام، وجلس الضيف وأكل وفي صلاة الفجر ذهب إلى المسجد فإذا بالنّبي صلى الله عليه وسلم يقول: لقد عجب الله من صنيعكما بضيفكما اللّيلة ». [أخرجه البخاري 3798 والبيهقي في السنن الكبرى4\185]
وهذا النوع من الإيثار تعجز الكلمات عن وصفه أو التعليق عليه فهذا الجيل الفريد جيل الصحابة تربّى على مائدة القرآن الكريم وربّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا ملائكة البشر رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين فكان النّبي أسوتهم وقدوتهمصلى الله عليه وسلم.
فعند الإمام أحمد في المسند:« نسجت امرأة من الأنصاربردة (عباءة) من قطيفة وجاءت إلى النّبي صلى الله عليه وسلم تعطيها إياه فأخذها النّبي صلى الله عليه وسلم ولبسها لاحتياجه لها من هذا الجو الشديد البرودة فخرج النّبي صلى الله عليه وسلم لأول مرة على أصحابه فنظر إليه رجل من الأنصار وقال: ما أحسن هذه العباءة اكسنيها يا رسول الله، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: نعم فإذا هو يخلعها في الحال فنظر الصحابة للرجل الأنصاري وقالوا: ما هذا الذي فعلته؟ إنّ النّبي يحتاجها فقال الرجل: ولكنّي أشدّ احتياجًا لها من النّبي صلى الله عليه وسلم إنّي أريد أن أجعلها في كفني حين أموت ».[خرجه الإمام أحمد في المسند 5\333]
وبعد فتح مكّة وكثرة الأموال بعد فتح الطائف وجاءته الغنائم وكان من هذه الغنائم غنم بين جبلين فنظرأعرابي إلى الغنم وقال: ما أكثر هذه الغنم فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: أتعجبك؟ قال: نعم، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: هي لك، قال: يا محمد: أتصدقني القول؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:« هي لك خذها إنْ شئت » فقام الرجل يجري إلى الغنم ويلتفت حوله فأخذها وعاد بها إلى قومه يقول: يا قوم أسلموا لقد جئتكم من عند خير النّاس إنّ محمدًا يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدًا. [خرجه مسلم (59845975) والإمام أحمد(3\108175259284)]
4 الحقوق الستة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جاء عند الإمام مسلم رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:« حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ قيل: ما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلِّم عليه وإذا دعاك فأجبْه وإذا استنصحك فانصح لهُ وإذا عطس فحمد الله فشمِّته وإذا مرض فعُدْه وإذا مات فاتَّبِعْه ». [أخرجه مسلم المسند الصحيح. كتاب السلام باب: من حقّ المسلم للمسلم ردّ السّلام حديث رقم:4023].
5 اجتناب سوء الظنّ بالإخوة و البعد عن التّجسّس و التحسّس و الحسد و التباغض و التدابر كما جاء في الحديث الذي جاء عند البخاري و مسلم رحمهما الله تعالى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:« إيّاكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث و لا تحسّسوا و لا تجسّسوا و لا تنافسوا و لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا تدابروا و كونوا عباد الله إخوانا» [أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب قوله يا أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظنّ رقم: 4849 و مسلم كتاب البرّ و الصلّة و الآداب برقم: 2563].
6 التبسّم في وجه أخيك حين تلقاه لحديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عند الإمام مسلم رحمه الله من رواية أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا و لو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [أخرجه الإمام مسلم برقم:2626]
7 التّسامح عند زلاّت أخيك لأنّه ليس معصومًا و مَنْ طلب أخًا بلا عيب عاش بلا أخ، انظر إلى ابن السماك و قد قال له أحدهم: غدا نتعاتب قال: بل غدًا نتغافر و يقول الإمام الشافعي رحمه الله: مَنْ صدق في أخوّة أخيه، قبل عِلله و سدَّ خلَلَه و عفا عن زلَلِه.
8 طلب النّصح من أخيك و ذلك لأنّك لا تبصر كل عيوبك و لا تعرف كل ذنوبك فإذا طلبت منه النُّصح بصّرك بها فعرفتها و تجنّبتها، يقول الحسن رحمه الله:« قد كان مَنْ قبلكم من السلف الصّالح يلقى الرجُل الرجل فيقول يا أخي ما كلّ ذنوبي أُبصر و ما كلّ عيوبي أعرف فإذا رأيت خيرًا فمرني و إذا رأيت شرًّا فانهني » و يقول بلا ل بن سعد رحمه الله:« أخ لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله و أخبرك بعيب فيك أحبُّ إليك و خير لك من أخٍ كلما لقيك وضع في كفّك دينارًا »
9 الدعاء لأخيك بظهر الغيب لما جاء عند الإمام مسلم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنّه سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول:« ما مِن عبد مسلمٍ يدعو لأخيه بظهر الغيب إلاّ قال المَلك و لك بمثل» و في رواية:« دعوة المرء المسلم لأخيه بظهْر الغيب مُستجابةٌ، عند رأسه ملَك مُوكَّل كلّما دعا لأخيه بخير قال المَلَك المُوكَّل به: آمين و لك بمثل » [الحديث أخرجه الإمام مسلم رحمه الله من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه]
10 مصافحته إذا لقيته لحديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الذي جاء عند الترمذي و غيره من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:« ما من مسلميْن يلتقيان فيتصافحان إلاّ غفر الله لهما قبل أن يفترقا » [خرجه الترمذي برقم:2727 و قال: حسن غريب و أبو داود في سننه برقم: 5212 و سكت عنه و قد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
11 ألاّ يَمُنّ عليه بمعروف صنعه له فيبطل الثواب قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[البقرة 264 ]
12 شكره على صنيعه معك فإذا قدّم لك معروفًا فعليك أن تبادر بشكره لما خرّجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من لم يشكر النّاس لم يشكر الله» و في لفظ:« لا يشكر الله مَنْ لم يشكر النّاس» و في لفظ « مَنْ لا يشكر النّاس لا يشكر الله » [خرّجه الترمذي و صحّحه الشيخ الألباني رحمه الله من صحيح الترمذي برقم:1954 و صحّحه العلاّمة عبد العزيز بن باز رحمه الله في مجموع فتاوى ابن باز برقم: 6\287]
13 عدم التكلّف والتكليف عند الزيارة فإذا زارك أخوك لا تتكلّف له وإذا زرته لا تكلّفه ولا يخلّ ذلك بالكرم والجود.
14 مشاركته في أفراحه وأحزانه لما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:« المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضُهُ بعضًا وشبَّك بين أصابعه.» [أخرجه البخاري برقم 2446 ومسلم برقم 2585]
ولما خرّجه الشيخان أيضًا: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: « مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمُهم وتعاطُفهم مَثَلُ الجسد إذا اشتكى مِنْهُ عُضْوٌ تَداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى ». [البخاري برقم 6011 ومسلم برقم 2586 ]
15 كتمان السرّ وستر العيب فإفشاء الأسرار وكشف العيوب يتنافى مع الأخوّة والصحبة الإيمانية.
16 أن يثني على أخيه بما هو أهله مع مراعاة ألاّ يكون ذلك مدحًا في وجهه إنْ خُشي عليه ذلك.
17 عدم مقاطعته إذا تكلّم مع الإنصات لحديثه والإهتمام لكلامه.
· صور و نماذج مضيئة للأخوّة الصادقة:
1 من أروع وأجلّ صور المحبّة الصادقة في الله تعالى تلك المحبّة التي جمعت بين خاتم رسل الله محمد صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه أبي بكرالصديق رضي الله عنهويظهر ذلك في نصوص نبويّة كثيرة بيّن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناقب وفضائل أبي بكرالصديق رضي الله عنه منها:
ما جاء عند البخاري رحمه الله من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:« لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلاً ولكن أخي وصاحبي ». [أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب: لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً:7\17 ]
وهذا من تمام وفاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في محبته لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو أيضًا دليل على قيام الصديق رضي الله عنه بحقّ المحبّة.
ما جاء عند البخاري أيضًا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:« إنّ من أمنّ النّاس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر و لو كنتُ متخذًا خليلاً غير ربّي لاتخذتُ أبا بكر ولكن أخوّة الإسلام ومودته، لا يبقيْن في المسجد باب إلا سُدَّ إلاّ باب أبي بكر ».
[أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب: سدّوا الأبواب إلا باب أبي بكر:7\12]
وتعليق الشرط بما ذكر في الحديث لا يعني انتفاء الأهلية في حقّ الصديق رضي الله عنه وإنّما معناه أن شرط الخلّة نفى الشريك في المحبّة فلمّا لم يتسع خيارالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم لخلِيليْن لزمه تقديم أحدهما حتمًا لأن مقام التقديم هنا مقام إفراد وتوحيد لا مقام مفاضلة وترجيح ويؤيده لفظ أبي يعلى:« ولكن خُلة الإسلام أفضل» فهذه خُلّة باعتبار و هذه خُلّة باعتبارولا منافاة بينهما حيث أضيفت الثانية إلى الإسلام فظهر أن غاية ما تقتضيه ما شرعه الإسلام من عهود المودّة وأداب العشرة بين المؤمنين ولقد حصل من ذلك بين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وبين الصدّيق رضي الله عنه ما لا تجود به عشرة بين أخويْن في الإسلام مهما كملت وفاءً وصدقًا وصفاءً هذا إذا أضيفت كما في لفظ أبي يعلى الآنف، فإذا أطلقت فإنه لا يليق بمقامها إلا تجريدها بتمام المباينة لسواها، كما أنّ خُلّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لربّه سبحانه من خصوصياته ودلائل اصطفائه فاتّساعها لقبول الشركة أو القسمة محال، أمّا خُلّته صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنها شُعبة من شعب التكليف كما قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:« المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ». [ صحيح سنن الترمذي برقم:1937 ]
فلا شكّ في مشاركة الصحابة الصدّيق في فضل صحبة النّبي صلّى الله عليه وسلّم إلا أنّه اختُصّ دونهم بالخُلّة المذكورة في هذا الحديث فمراتبهم من ثمََّ لا محالة مرجوحة بمرتبته رضي الله عنه و أرضاه.
ومن أدلة أهلية الصدّيق رضي الله عنه لهذا الإختصاص ما خرّجه البخاري رحمه الله من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس وقال:« إنّ الله خيَّر عبدًا بين الدُّنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله ». قال: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن عبدٍ خُيِّر فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو المُخيَّر وكان أبو بكر أعلمنا ». [أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب: سدّوا الأبواب إلا باب أبي بكر:7\12]
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في اللطائف:« لمّا عرَّض النّبيُّ صلى الله عليه وسلم على المنبر باختياره اللقاء على البقاء ولم يصرِّح خفي المعنى على كثير ممَّن سمع ولم يفهم المقصود غير صاحبه الخصيص به ثاني اثنيْن إذ هما في الغار و كان أعلمَ الأُمّة بمقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم فلمّا فهم
المقصود من هذه الإشارة بكى ». [ لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص:115 ]
ويكفي الصديق فضلاً أنه ذُكر في القرآن الكريم في آية واحدة من سورة التوبة خمس مرات وهي قول الله تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40]
وانظر أخي رحمك الله إلى صدق المحبّة يوم الهجرة كما جاء في المشكاة : ولمّا انتهينا إلى الغار قال أبو بكر: واللهِ لا تدخُلُه حتى أدخلَ قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك فدخل فكسحه ووجد في جانبه ثقبًا فشق إزاره وسدَّها به وبقي منها اثنان فألقمهما رجليْه ثمّ قال لرسول اللهصلى الله عليه وسلم: ادخل
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم و وضع رأسه في حجره ونام فلـُدِغ أبو بكر في رجله من الجُحر ولم يتحرّك مخافة أن ينتبه رسول صلى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالك يا أبا بكر؟ قال: لُدِغتُ فداك أبي و أمي فتفل رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ». [رواه رُزين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه ثم انتفض عليه (أي رجع أثر السُّم حين موته) وكان سبب موته انظر مشكاة المصابيح باب مناقب أبي بكر 2\556 والرحيق المختوم للمباركفوري ص 155وما بعدها ]
وفيما خرّجه البخاري رحمه الله عن أبي بكر رضي الله عنه قال:« أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمر فيه أحدٌ، فرفعت لنا صخرة طويلة، لها ظلّ لم تأت عليها الشمس فنزلنا عنده، وسوّيت للنّبيِّ مكانًا بيدي، ينام عليه، وبسطت عليه فروة وقلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك، فنام وخرجت أنفض ما حوله فإذا أنا براع مُقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا فقلت له: لمن أنت ياغلام؟ فقال لرجل من أهل المدينة أو مكة قلتُ: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم، قلت: أفتحلب؟ قال: نعم فأخذ شاة فقلت: انفض الضرع من التراب و الشعر والقذى فحلب في قعب كُثْبَة من لبن، ومعي إداوة حملتها للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يرتوي منها، يشرب ويتوضأ، فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ، فصببتُ من الماء على اللبن حتى برد أسفله فقلت: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثمّ قال:″ألم يأن للرحيل″ قلتُ: بلى قال: فارتحلنا ». [ أخرجه البخاري في صحيحه 1\510 وفي رواية لرجل من قريش] ومن شدة خوف الصديق على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الهجرة المُداراة كما جاء عند البخاري رحمه الله تعالى:« وكان من دأب أبي بكر رضي الله عنه أنه كان ردفًا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكان شيخًا يُعرف ونبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: مَنْ هذا الرجل الذي بين يديْك؟ فيقول هذا الرجل يهديني الطريق فيحسب أنه يعني به الطريق وإنّما يعني سبيل الخير ». [أخرجه البخاري من أنس بن مالك رضي الله عنه: 1\556 ]
إنّه الحبُّ الصادق والمودّة النّقية الصافية التي تمكنت من نفس الصدّيق رضي الله تعالى عنه تجاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنّه حقًّا نموذج فريد من نوعه وصورة مضيئة مشرِّفة للأخوّة الإيمانية الصادقة التي جعلت الصدّيق يُقدّم محبّة نبِيّه على محبّة الّنفس، محبّة تُرجمت إلى اتّباع وعمل صالح دؤوب لخدمة الإسلام والذبّ عن رسول الإسلام صلّى الله عليه وسلم وكان من ثمرة هذا الحبّ لصادق أن جعل الله الصدّيق سببًا لتثبيت الأمّة يوم وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم عندما تفاقمت الأحزان على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فجاء الصدّيق رضي الله عنه وثبّت الله به الأمّة المسلمة.
فقد خرّج البخاري في صحيحه:« وأقبل أبو بكر على فرس من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل، فدخل المسجد فلم يكلّم النّاس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فتيمم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو مغشى بثوب حَبِرَة فكشف عن وجهه ثمّ أكبَّ عليه فقبّله وبكى ثمّ قال:« بأبي أنت وأمّي لا يجمع الله عليك موتتيْن أمّا الموتة التي كُتِبَتْ عليك فقد مِتَّهَا » ثمّ خرج أبوبكر وعمر يكلِّم النّاس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فتشهد أبو بكر فأقبل النّاس إليه وتركوا عمر فقال أبوبكر:
أمّا بعد، من كان منكم يعبد محمدًا صلّى الله عليه وسلم فإنّ محمدًا قد مات ومن كان منكم يعبُد اللَّهَ فإنّ اللَّهَ حيٌّ لا يموت، قال الله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران 144 ]
قال ابن عباس:" والله لكأنّ النّاس لم يعلموا أنّ اللَّهَ أنزل هذه الآية، حتى تلاها أبو بكر فتلقّاها منه النّاسُ كلُّهم فما أسمعُ بشرًا من النّاس إلا يتلوها.
قال ابن المسيِّب: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنَّه الحقُّ، فعقرت حتى تُقِلُّني رجلايْ وحتى أهويتُ إلى الأرض حين سمعتُهُ تلاها علمتُ أنّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلم قد مات ». [أخرجه البخاري في صحيحه 2\640-641]
2 الصورة الثانية لصدق الأخوّة الإيمانية والحبّ في الله هي تلك الأخوّة التي جمعت بين الأشعريين رضي الله عنهم قبيلة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه من أهل اليمن وكان أحدهم يِؤثر أخاه على نفسه ويقتسموا طعامهم فيما بينهم.
خرّج الإمام مسلم وغيره من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:« إنّ الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثمّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة فهم منّي و أنا منهم ». [أخرجه مسلم كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم برقم:2500 ومعنى أرملوا: فنى طعامهم]
ففي هذا الحديث يوضّح الرسول صلّى الله عليه وسلّم فضيلة الأشعريّين وصدقهم في المحبّة و إيثارهم وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم [فهم منّي] المبالغة في اتصال طريقهما واتفاقهما على الطاعة.
3 ومن أخبار مَنْ جاء من بعد جيل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين هذه الصورة المشرِّفة للحبِّ في الله وصدق الأخوّة ففي الأثر أن ابن شبرمة رحمه الله قضى حاجة كبيرة لبعض إخوانه فجاء بهدية فقال ابن شبرمة: ما هذا؟ قال أخوه: لما أسديته إليَّ من معروف قال ابن شبرمة: خذ مالك عافاك الله إذا سألت
أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبّر عليه أربع تكبيرات وعدَّه من الأموات.
والنماذج كثيرة كثيرة أكتفي بما ذكرت ففيه الكفاية لمن أراد الهداية.
· من مفسدات الأخوة الإيمانية:
اعلم أخي رعاك الله أن هناك الكثير من المفسدات التي تعكّر صفو الأخوّة وتجلب الهموم بسبب الفرقة والشحناء نذكر منها للإعتبار:
1 الطمع في الدنيا والإقبال عليها بالقلوب فيجعل الأخ يطمع فيما عند إخوانه فتفسد الأخوة و تنحل عقدتها ففي الحديث الذي رواه ابن ماجة وغيره عن أبي العبَّاس سهل بن سعد الساعِديِّ رضي الله عنه قال:جاء رجُلٌ إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال:يا رسول الله دُلّنِي على عملٍ إذا عمِلتُهُ أحبَّني اللهُ وأحبّني النّاسُ فقال: ازهد في الدُّنيا يحبُّك اللهُ وازهد فيما عند النّاسِ يُحبُّك النّاس ». [رواه ابن ماجة برقم:4102 والطبراني:643 والعقيلي:413 وابن عدي:3\31 والقضاعي في مسند الشهاب: 643 وانظرالصحيحة:944 ]
ففي هذا الحديث بيّن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لسائله الطريق الموصلة إلى حبّ الله تعالى للعبد بالزهد في الدنيا بأن يجعلها العبد في اليد لينفع بها نفسه وﺃهله ودينه ويخرجها من قلبه لأنّهاإن دخلت القلب ﺃهلكت وأوحلت والطريق الموصلة للأخوّة الصادقة وهي الزهد فيما عند الإخوان وعدم التطلع لما في أيديهم حتى يستقيم لك ودّهم.
2 من أشدّ مفسدات الأخوة الإنغماس في الشهوات والمعاصي والمنكرات، فالمعصية تؤدي إلى قساوة القلب وظلمة الوجه وتنفتح ﺃبواب الشرّ و لذلك يقول العلامة ابن القيّم رحمه الله تعالى في الجواب الكافي محذّرًا من شؤم المعصية:« من آثار المعصية وحشة يجدها العاصي مع إخوانه ».
فعلى المرء أن يتفقد قلبه وجوارحه فيبتعد عن محارم الله التي تقوده إلى كل شرّ وتفرِّق عنه الأحباب والإخوان من الصاحين لأن المعصية سبب لبغض الربِّ لعبده فإذا ﺃبغضه الله أبغضه جبريل وأبغضته الملائكة ووضعت له البغضاء في الأرض.
ففي الحديث الذي جاء عند الإمام أحمد وﺃصله في البخاري ومسلم وفي الموطأ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:« إذا أحبَّ اللهُ تعالى العبد نادى جبريل إن الله
تعالى يحبّ فلانا فأحببه فيحبّه جبريل فينادي في أهل السّماء: إنّ اللَّهَ يُحب فلانًا فأحبّوه فيحبّه أهل السّماء ثمّ يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إنّي أبغض فلانًا فأبغضه
فيبغضه جبريل ثمّ ينادي في أهل السّماء: إنّ الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضه أهل السّماء ثمّ توضع له البغضاء في الأرض » [ﺃخرجه ابن العربي في عارضة الأحوذي(6\243) وأخرجه الذهبي في كتاب العرش صفحة:44 وأصله في البخاري ومسلم]
وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه124-126]
فأهل المعصية لهم الخزي والعار في الدنيا وفي الآخرة.
وقال الله تعالى:« الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ»[الزخرف67]
3 من مفسدات الأخوة عدم طهارة اللّسان عند الحديث مع الإخوان من سبّ وطعن وتجريح ومن غيبة ونميمة وكذب وبهتان فهذه القبائح تفسد الأخوة الإيمانية وتقضي عليها وتوغر الصدور.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [ الحجرات 11\12]
وقال تعالى: (...وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[ لقمان:19 ]
فإن تجنّب الإنسان هذه القبائح سلمت له الأخوة وعاش حميدًا وقد حثّ الله تعالى على القول الحسن فقال الله تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا)[الإسراء 53 ]
فاجعل لسانك رطبًا بذكر الله تعالى وعامل إخوانك برفق ولين وﺃدب تسلم لك ﺃخوتهم وتنعم بصحبتهم.
4 عليك أن تتجنّب مقاطعة إخوانك عندما يتحدّثون لأنّ هذا يفسد جوّ الأخوة بخلاف التحلّي بالإنصات عند حديثهم يوثق رابطة الأخوة الإيمانية وعليك ﺃن تقبل بوجهك لمحدّثك فإن هذا أدعى للحبّ والصفا قال أحد السلف: إنّ الرجل ليحدّثني بالحديث أعرفه قبل أن تلده أمّه فيحملني حسن الأدب على الإستماع إليه حتى يفرغ ».
5 عدم الإفراط في المزاح إلى حدِّ الجرأة والتطاول والسخرية خاصة مع أهل الفضل فكثرة المزاح تجرأ السفهاء وتسقط الهيبة وتفسد جوَّ الأخوة.
6 كثرة الجدال والمراء من مفسدات الأخوة وقد بيّن الله تعالى لنا صفة من صفات عباد الرحمن وهي عدم الجدال إلاّ على قدر الضرورة لبيان الحقّ فقال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)[الفرقان63 ]
ومن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم كما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« إنّ أبغض الرجال
إلى الله الألد الخَصِم » أي الشديد الخصومة. [أخرجه البخاري كتاب المظالم باب قول الله تعالى وهو ألدُّ الخصام برقم 6765]
أمّا الجدال بالتي هي أحسن لبيان الحقّ للمبتدع و مَن على شاكلته فلا بأس به، لكن إذا خرج الجدال عن الإطار المشروع و دخلت حظوظ النّفس، فانسحب بلطف و قُل لخصمك قولاً طيّبًا.
7 من مفسدات الأخوة سوء الظنّ بالإخوان و تتبع عوراتهم.
8 من مفسدات الأخوة الغضب المفرط الغير مقيّد بالشّرع فيُؤدي إلى التطاول.
9 من مفسدات الأخوة النّجوى و معناها كما بيّنها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بقوله :« إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإنّ ذلك يحزنه » [أخرجه البخاري و مسلم و اللفظ له].
و ذلك لأنّ الكلام الجانبي مع أحد الأطراف و بصوت خفيض يحمل الآخر على سوء الظنّ مما يؤدّي إلى إفساد الأخوة .
10 من مفسدات الأخوة الكِبر و التعالي و التفاخر على الآخرين فالمتكبر كمثل رجل يقف على قمة جبل ينظر إلى أسفل فيرى النّاس صغارًا و هم ينظرون إليه فيرونه صغيرًا و الكبر يؤدي إلى الفرار و النّفرة من المتكبّرين.
فقد خرّج الإمام مسلم رحمه الله تعالى قول النبيّ صلّى الله عليه و سلّم:« لا يدخل الجنّة مَن كان في قلبه مثقال ذرّة من كِبر فقال رجل: إنّ الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنًا و نعله حسنًا فقال: إنّ الله جميل يحبّ الجمال، الكِبر بطر الحقّ و غمط النّاس » [رواه الإمام مسلم في صحيحه]
بعد هذا أوصيك أخي بتجنّب تلك المفسدات التي تفسد الأخوة الإيمانيّة و تقضي على بهائها و صفائها و لله درّ القائل:
يا سيدي عندك لي مظلمة
فاستفت فيها ابن أبي خيثمة
فإنّه يروي لنا عن جدّه
ما قد روى الضحاك عن عكرمة
عن ابن عباس عن المصطفى
نبيّنا المبعوث بالمرحمة
إنّ صدود الإلف عن إلفه
فوق ثلاث ربنا حرّمه
و لله درّ القائل:
مواكب الشوق من قلبي إليك أتَتْ
تهدي المحبّة في الرحمن تبديها
إنّي أحبُّك في الله الذي سجدت
له الجباه فربّ العرش باريها
منابر النُّور يوم العرض موعدنا
بشراك إن أنت أَخَيْتَ مَنْ فيها
و لله درّ القائل:
قال ليَّ المحبوب لمّا زرته مَنْ ببابي؟
قلتُ بالباب أنا
قال لي أخطأت تعريف الهوى
حينما فرقت فيه بيننا
و مضى عام فلمّا جئته
أطرق الباب عليه موهنا
قال لي من أنت؟
قلت أنظر فما ثَمَّ إلاّ أنت بالباب هنا
قال لي أحسنت تعريف الهوى
و عرفت الحبَّ فادخل يا أنا.
و لله درّ القائل:
إنّ أخاك الحقّ من كان معك
و مَنْ يضر نفسه لينفعك
و من إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيه شمله ليجمعك
قال الإمام الشافعي للإمام أحمد:
أحبّ الصالحين و لستُ منهم
لعلي أن أنال بهم شفاعة
و أكره مَنْ تجارته المعاصي
و إن كنّا سويًا في البضاعة
فردّ عليه الإمام أحمد قائلاً:
تحبُّ الصالحين و أنت منهم
و منكم سوف يلقون الشفاعة
و تكره من تجارته المعاصي
وقاك الله من تلك البضاعة
اللهم أصلح شأننا كلّه ووثّق رابطة الحبّ فيك بيننا و بين اخواننا ... اللهم آمين
كتبه راجي عفو ربّه الغفور
أبو أحمد سيّد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعيّة الإسلاميّة بالسارلاند ساربروكن ألمانيا
غفر الله له و لوالديه و لزوجه و ولده و للمسلمين و المسلمات
- التفاصيل
-
نشر بتاريخ: الخميس، 10 شباط/فبراير 2011 22:57
-
الزيارات: 7329