- التفاصيل
-
كتب بواسطة: ahmed elhayek
-
المجموعة: ملف الهجرة النبوية
فوائد إيمانية من هجرة خير البريّة (2)
الأخذ بالأسباب وصدق التوكل على الله عزوجل
الحمد لله رب الأرباب ومجري السحاب وهازم الأحزاب ومنزل الكتاب ومسبب الأسباب وخالق البحر العباب، بثّ في الكون آيات عظمته ليتدبر ويتعظ أولوا الألباب، وعد عباده الصالحين المتقين عظيم الثواب، وتوعد المعرضين المعاندين بأليم العقاب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يخفى عليه ما ظهر للأعين وما عنها غاب، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب.
أما بعد:
فمع الفائدة الإيمانية الثانية من هجرة خير البرية والتي هي بعنوان
• الأخذ بالأسباب و صدق التوكل على الله عزوجل:
اعلم أخي - حفظك الله تعالى - أن مفهوم التوكل الصحيح على الله عزوجل هو صدق اعتماد القلب على الله عزوجل في جلب المنافع و المصالح و درء المفاسد و المضار في الدين و الدنيا مع الأخذ بالأسباب المتاحة لديك دون اعتقاد في الأسباب إنما الإعتقاد في الله عزوجل فالأسباب للجوارح و لا يتعلق القلب إلا بالله عزوجل و من الفوائد الإيمانية من هجرة خير البرية محمد - صلى الله عليه و سلم - الأخذ بالأسباب وصدق التوكل على الله عزوجل كسبب من أسباب النجاة وإليك البيان والتفصيل:
لقد غادر الرسول صلى الله عليه وسلم بيته في ليلة 27 من شهر صفر سنة 14 من النبوة الموافق 12/13 سبتمبر 633م وأتي إلى دار رفيقه وأَمَنّ الناس عليه في صحبته و ماله أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ثم غادر هو و صاحبه من خوخة في دار أبي بكر رضي الله عنه - أي من باب خلفي ـ ليخرجا من مكة على عجل وقبل أن يطلع الفجر.
ولمّا كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يعلم أنّ قريشاً ستجدُّ في الطلب و أنّ الطريق الذي ستتجه إليه الأنظار لأول وهلةٍ هو طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالاً فسلك الطريق الذي يضاده تماماً وهو الطريق الواقع جنوب مكة و المتجه نحو اليَمَن وهذا من باب الأخذ بالأسباب و التعمية على الكافرين سلك هذا الطريق نحو خمسة أميال حتى بلغ إلي جبل يُعرف بجبل ثًوْر و هو جبل شامخ وَعِر الطريق، صعب المرتقى ذو أحجار كثيرة ، فحفية قدما رسول الله - صلي الله عليه وسلم - ، وقيل: بل قد كان يمشي في الطريق على أطراف قدميه كيْ يخفي أثره فحفيت قدماه و أياً ما كان فقد حمله أبوبكرـ رضي الله عنه ـ حين بلغ إلى الجبل و طفق يشتدّ به حتى انتهى به إلى الغار في قمة الجبل هذا الغار الذي عرف في التاريخ بغار ثور.
و لمَّا انتهيا إلى الغار قال أبوبكر - رضي الله عنه ـ و الله لا تدخله حتى أدخل قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك و هذا هو الحبُّ الصادق لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - فقد كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحبون رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ حُباً فاق حُبَ النفس التى بين الجنبيْن و هذا هو الذي دفع أحد المشركين أن يقول: لقد رأيت الملوك و أصحاب الملوك فلم أرَ أحداً يحب أحداً كما يحبُّ أصحابُ محمدٍ محمداً ـ صلى الله عليه وسلم - .
فدخل الصديقُ ـ رضي الله عنه ـ الغار قبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- فكسحه فوجد في جانبه ثُقُباً فشقّ إزاره و سدها به و بقى منها اثنان فألقمهما رجليْه ثم قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ادخل فدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - ووضع رأسه في حجره و نام، فلُدِغَ أبوبكر ـ رضي الله عنه ـ في رِجله من الجُحر ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم - فسقطت دموعُهُ على وجه رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم - فقال: "ما لك يا أبابكر؟ قال: لُدِغتُ فداك أبي و أمي، فتفل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - فذهب ما يجده" {رواه رزيْن عن عمر بن الخطاب وفيه: ثم انتفض عليه وكان سبب موته انظر مشكاه المصابيح (2/565)}.
• "وبقيا في الغار ثلاث ليالٍ ، ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الأحد" { فتح الباري شرح صحيح البخاري (7/363)}
• و كان عبدالله ابن ابي بكر - رضي الله عنهما – يبيت عندهما قالت عائشة - رضي الله عنها -: وهو غلام شاب ثقِف لَقِن فيُدْلِج من عندهما بسَحَر فيصبح مع قريش كبائت فلا يسمع أمراً يكتادَانَ به إلّا وعاه حتي يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام, وهذا أيضاً من باب الأخذ بالأسباب و حتى يكون الرسولُ – صلى الله عليه و سلم - على عِلم بما يدور في صفوف المشركين , ويُبين أيضاً دور الشباب في حمْل همِّ الإسلام و نصرته كما ظهر دور الصبية في موقف على بين أبي طالب – رضي الله عنه – و كذلك دور الشيوخ في موقف أبي بكر - رضي الله عنه - .
• وكان يرعى عليهما "عامر بن فُهيرة " مولى أبي بكر مِنْحَة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتانِ في رسْل ـ وهو لبن مِنْحَتِهما ورضيفهما ـ حتى ينعق بها عامر بن فُهيرة بغَلَسٍ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. {صحيح البخاري (1/553ـ 554)}
وكان "عامر بن فُهيرة" يتبع بغنمه أثرَ عبدالله بن أبي بكر بعد ذهابه ليُعَفِّي عليه. {سيرة ابن هشام (1/486)}
وهذا أيضاً من باب الأخذ بالأسباب للتعمية على المشركين ويُبين أيضاً دور الخادم في نصرة الإسلام.
• وقبل أن يخرج النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه إلى الغار قامت عائشة وأسماء ـ رضي الله عنهما ـ إبنتا الصّديق بإعداد الطعام لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه فأتَتهما أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ بسُفْرَتهما ونسيت أن تجعل لها عِصَاماً فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرةَ فإذا ليس لها عصام فشقت نطاقها باثنيْن فعلَّقت السّفرة بواحد وانتطقت بالآخر فسُميت : ذات النطاقين. {صحيح البخاري (1/553 ـ 555)}
وهذا أيضاً من باب الأخذ بالأسباب والتزود للسفر وبيان دور المرأة المسلمة في خدمة الإسلام ونصرته.
وهكذا علمتنا الهجرة النبوية الأخذ بالأسباب وصدق التوكل على الله عزوجل بأن لا يتعلق القلب بالأسباب وإنما يتعلق القلب بمن سبب الأسباب وهو الله ربّ العالمين والدليل على ذلك من أحداث الهجرة أنه عندما وصل المشركون إلى باب الغار كان تعلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بربِّه عزوجل كما جاء عند الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قال: كنتُ مع النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الغار فرفعتُ رأسي فإذا أنا بأقدام القوم فقلتُ: يانبيَّ الله ِ لو أنَّ بعضهم طأطا بصره رأنا قال:"اسكت يا أبا بكر، اثنان، الله ثالثهما" وفي لفظ:"ماظنُّك يا أبا بكر باثنيْن الله ثالثهما". {صحيح البخاري (1/6/5ـ 558) ونحوه عند أحمد (1/4)}
وقد كانت معجزة أيَّد اللهُ بها نبيَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعندما أحاط المشركون ببيت النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليقتلوه كانت أعينهم تنظر ولا ترى والآن عند الغار أبصارهم ترى وتبصر ولكن لم تنظر صرفها الله تعالى ورجع المطاردون حين لم يبق بينه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبينهم إلا خطوات معدودة.
تنبيه :
ما تناقلته كتب السيرة من قصة العنكبوت والحمامتين عند الغار أثرغير صحيح ولم يثبت فينبغي لدارس السيرة أن ينتبه لهذه الآثار التي لا تثبت ويُبين للناس أنها واهية ساقطة حتى يحذروها .
وإلى لقاء قادم إن قدر لنا بقاء ومع فائدة إيمانية جديدة من هجرة خير البرية ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فاللهم إنَّا نسألك من كل خير أحاط به علمُك في الدنيا والآخرة ونعوذ بك من كل شرٍّ أحاط به علمك في الدنيا والآخرة وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
كتبه راجي عفو ربه الغفور
أبو أحمد سيد عبد العاطي بن محمد الذهبي
غفر الله له ولوالديْه ولزوجه وولده وللمؤمنين والمؤمنات
- التفاصيل
-
نشر بتاريخ: الخميس، 22 كانون1/ديسمبر 2011 23:46
-
الزيارات: 4857