فضل يوم عرفة

فضل يوم عرفة
 
 
الحمد لله حمدا يبلغ رضاه ، و صلّى الله على أشرف من اجتباه ، عبده و رسوله القائل:« إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق » و على مَنْ صاحَبَهُ و والاه و سلَّم تسليما كثيرا لا يُدْرَكُ منتهاه.
 
أمّا بعد
فاعلم أخي الكريم ­ رحمك الله ­ أنّ يوم عرفة يوم عظيم فيه تُجابُ الدعوات و تُقال العثرات و تُغفر الزّلات، يغفر ربنا فيه الذنوب و يستر فيه العيوب و يقبل سعي السّاعين و تلبية الملبّين و يباهي ملائكته بأهل الموقف أجمعين، فهو يوم إكمال الدين و إتمام النّعمة على الموحّدين.
ففي الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب ­ رضي الله عنه ­ أنّ رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال أيُّ آية؟ قال :«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا»[المائدة 3] قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم و المكان الذي نزلت فيه على النّبي صلّى الله عليه و سلّم و هو قائم بعرفة يوم الجمعة. [أخرجه البخاري كتاب الإيمان حديث رقم: 45 و مسلم كتاب التفسير رقم: 3015]
و هو اليوم المشهود الذي أقسم الله تعالى به في كتابه في قوله تعالى:« وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ»[البروج3]
فعن أبي هريرة ­ رضي الله عنه ­ أنّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم قال :« اليوم الموعود: يوم القيامة  و اليوم المشهود: يوم عرفة و الشاهد: يوم الجمعة»[رواه الترمذي و حسّنه الشّيخ الألباني رحمه الله تعالى]
و من عظيم فضله و علوّ شأنه أنّ صيامه يُكفّر سنتين: فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي قتادة ­ رضي الله عنه ­ أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم سُئل عن صوم يوم عرفة فقال:« يُكفّر السنة الماضية و السنة القابلة »[ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه]
و صوم يوم عرفة لغير الحجيج فالسنة للحجيج فطر يوم عرفة لأنّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم وقف بعرفة مُفطرا صلى الله عليه و سلّم. و رُوي عنه صلّى الله عليه و سلّم أنّه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة و ذلك حتى يتفرّغ الحجيج للمناسك ففيها نوع من المشقّة.
    و من فضله وعلوّ شأنه أنّه يوم تُغفر فيه الذّنوب و تُعتق فيه الرّقاب من النيران و يُباهي الله تعالى بأهل الموقف ملائكته الكرام.
  ففي صحيح الإمام مسلم ­ رحمه الله ­ من حديث أمّ المؤمنين الطّاهرة المُبرّأة من فوق السّبع الطّباق ، الصّدّيقة بنت الصّدّيق حبيبة رسول الله  صلّى الله عليه و سلّم و زوجته في الدنيا و في الجنّة، الحصان الرزان عائشة ­ رضي الله تعالى عنها ­ عن النّبي صلّى الله عليه و سلّم قال :« ما من يوم أكثر من أنْ يُعتق الله فيه عبدا من النّار من يوم عرفة، و إنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء؟ »[أخرجه مسلم في صحيحه]
و عن عبد الله بن عمر­ رضي الله عنهما ­ أنّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم قال :« إنّ الله تعالى يباهي ملائكته عشيّة عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شُعثا غُبرا»[رواه الإمام أحمد و صححه الشّيخ الألباني]
     و من فضله و علو شأنه أنّه عيد من أعياد الإسلام فقد أخبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم فقال :« يوم عرفة و يوم النّحر و أيّام التّشريق عيدنا أهل الإسلام و هي أيّام أكل و شرب »[جامع الترمذي رقم :773 و قال : حسن صحيح و صححه الشّيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي برقم : 620]
    فمن الواجب على كل مسلم و مسلمة في هذا اليوم تعظيم حرمته و الإكثار من الأقوال الطيّبة و الأعمال الصالحة من صلاة و صيام و تكبير و تهليل و تسبيح و استغفار و دعاء و حفظ الجوارح عن المحرمات و ليحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة في هذا اليوم كالإصرار على الكبائر و الكذب و الغيبة و النّميمة و السبّ و الطّعن و التّجريح القائم على الهوى و بالنّسبة للحجيج عليهم الإلحاح في الدعاء مع الخضوع و الذلّ و الانكسار لعظمة الله ربّ العالمين و استقبال القبلة حال الدعاء و رفع اليدين و التّضرع إلى الله عزّ و جلّ مع الا عتراف بالتّقصير و العزم على التّوبة النّصوح.
فأسأل الله تعالى أن يتقبّل منّا صالح الأعمال و أن لا يحرمنا فضل هذه الأيّام المباركات... اللهمّ أمين
 و صلّى الله على نبيّنا محمد و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 
 
 
 
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد
سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية
إقليم السارلند ساربروكن ألمانيا