- التفاصيل
-
كتب بواسطة: admin
-
المجموعة: ملف رمضان
ذلك شهر يغفل النّاس عنه
الحمد لله الذي سَيَّر بقدرته الفُلك و الفَلك , و دبَّر بصنعته النُّور و الحَلَك , اختار آدم فحسده الشيطان و غبطه الملك و افتخروا بالتسبيح و التقديس فأمّا إبليس فهلك :" قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نُسبح بحمدك و نُقدس لك". [البقرة:30] تعالى ربّنا عن وزير و تنزّه عن نظير قبل من خلقه اليسير و أعطى من رزقه الكثير , أنشأ السحاب الغزير يحمل الماء النمير ليعمّ عبادَهُ بالخير و يمير .
فالجماد ينطق بلسان حاله و النبات يتكلم بحركاته و أشكاله و الكل إلى التوحيد يشير :"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير". [الشورى:11]
و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له سبحانه من إله عظيم ما طابت الدنيا إلاّ بذكره و لا طابت القيامة إلاّ بعفوه و لا طابت الجنّة إلاّ بالنظر إلى وجهه.
و أشهد أنّ محمدًا عبده و رسوله اللهم صلي و سلم و بارك عليه و على آل بيته الطاهرين و صحبه الغرّ الميامين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ثمّ أمّا بعد :
فاعلم أخي أرشدك الله لما يحبه و يرضاه أنّ لشهر شعبان فضائل كثيرة غفل عنها الكثيرون من المسلمين إلاّ من رحم ربي و عصم و هذا ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال :" يا رسول الله : لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان ؟ قال : ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب و رمضان و هو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي و أنا صائم". [حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح النسائي برقم : 2356]
فأردت في هذه الكلمات أن أوضح بعض فضائل هذا الشهر الكريم :
أولاً : فضائل شهر شعبان :
لعظم شأن شهر شعبان كان رسول الله يكثر من الصيام فيه .
ـ فعن أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : لا يصوم , و ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلاّ رمضان , و ما رأيته في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان". [أخرجه مسلم في صحيحه برقم : 1156]
ـ و عنها رضي الله عنها أيضًا أنّها قالت :" لم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشهر من السنة أكثر صيامًا منه في شعبان و كان يقول :" خذوا من الأعمال ما تطيقون فإنّ الله لن يملّ حتى تملّوا ".
و كان يقول :" أحبّ العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه و إن قلَّ ". [أخرجه مسلم في صحيحه برقم : 782]
ثانياً : فضل ليلة النّصف من شعبان :
وردت أحاديث صحيحة توضح فضل ليلة النّصف من شهر شعبان منها :
1 ـ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :" يَطَّلعُ اللهُ عزّ و جلّ إلى خلقه ليلة النّصف من شعبان فيغفر لعباده إلاّ لإثنين : مشاحن و قاتل نفس ". [أخرجه أحمد في المسند تحقيق العلامة أحمد شاكر قال باسناده صحيح {10/166ـ167}]
2 ـ و عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" إذا كان كان ليلة النّصف من شعبان اطّلع اللهُ إلى خلقه فيغفر للمؤمنين و يملي للكافرين و يدع أهل الحقد لحقدهم حتّى يَدَعُوه ". [رواه البيهقي في شعب الإيمان و حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير و زيادته برقم : 783 وانظر الأحاديث الصحيحة : 1143 و رواه الطبراني وابن أبي عاصم ]
3 ـ و عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلّى عليه و سلم :" إنّ اللهَ ليطّلع في ليلة النّصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاّ لمشرك أو مشاحن ". [رواه ابن ماجة و للحديث شواهد يتقوى بها و هو بنفس اللفظ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه و الحديث حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الكبير برقم : 1815 و انظر المشكاة : 1306 و الأحاديث الصحيحة : 1444 و1651 وانظر تحفة الأحوذي : 3144]
ثالثاً : الأحاديث الضعيفة في فضل شعبان :
على مائدة شهر شعبان تنتشر بعض الأحاديث الواهية الضعيفة على ألسنة العوام و يردّدها بعض من لا علم له من الوعّاظ عن فضل شهر شعبان و الدعاء فيه و بعض الأعمال التي تعمل فيه , أردت أن أذكر بعضها للتحذير منها حتى لا يقع المسلم في الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلّم و منها :
1 ـ حديث :" اللهم بارك لنا في رجب و شعبان و بلغنا رمضان". [انظر كتاب : الأذكار للنووي و كتاب ميزان الإعتدال للذهبي : 3/96 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1995]
2 ـ حديث :" إذا كانت ليلة النّصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها ". [انظر كتاب العلل المتناهية لابن الجوزي : 2/562 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1403هـ]
3 ـ حديث :" خمس ليال لا ترد فيهنّ الدعوة : أول ليلة من رجب و ليلة النّصف من شعبان و ليلة الجمعة و ليلة الفطر و ليلة النحر". [كتاب : سلسلة الأحاديث الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله حديث رقم : 1452]
4 ـ حديث :" أتاني جبريل عليه السلام فقال لي : هذه ليلة النّصف من شعبان و لله فيها عتقاء من النّار بعدد شعر غنم كلب ". [انظر كتاب : السنن للترمذي : 3/116 طبعة دار الأحياء]
5 ـ حديث :" يا عليُّ مَنْ صلّى ليلة النّصف من شعبان مئة ركعة بألف قل هو الله أحد قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة". [انظر كتاب : المنار المنيف لأبي عبد الله محمد الحنبلي طبعة دار المطبوعات الإسلامية لعام 1403 هـ]
6 ـ حديث :" من قرأ ليلة النّصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد بعث الله إليه مئة ألف ملك يبشرونه". [انظر كتاب لسان الميزان لابن حجر : 5/27 طبعة مؤسسة الأعلى لعام 1405هـ]
7 ـ حديث :" فضل شهر شعبان كفضلي على سائر الأنبياء". [قال ابن الجوزي : إنه موضوع كما في كتابه تبين العجب انظر كتاب : كشف الخفاء :2/110 للعجلوني طبعة مؤسسة الرسالة لعام 1405هـ]
8 ـ حديث :" من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنّة : ليلة التروية و ليلة عرفة و ليلة النّحر و ليلة الفطر و ليلة النّصف من شعبان". [انظر كتاب : ضعيف الترغيب للألباني حديث رقم :667]
9 ـ حديث :" شعبان شهري". [انظر كتاب : كشف الخفاء :2/13 طبعة الرسالة لعام 1405هـ]
10 ـ حديث :" من أحيا ليلة العيد و ليلة النّصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب". [انظر كتاب : ميزان الإعتدال للذهبي : 5/372 طبعة دار الكتب العلمية لعام 1405هـ]
11 ـ حديث :" من صلّى ليلة النّصف من شعبان ثلاث مئة ركعة ( و في ثنتي عشر ركعة ) يقرأ في كل ركعة ثلاثين مرة قل هو الله أحد شفع في عشرة قد استوجبوا النار". [انظر كتاب : كشف الخفاء للعجلوني 2/566]
رابعاً : بدع يجب التحذير منهاعلى مائدة شهر شعبان :
1 ـ تخصيص ليلة النّصف من شعبان بقيام الليل :
مَنْ خصّ ليلة النّصف من شعبان بقيام الليل فقد ابتدع لأنّ الأصل في العبادة الحظر ما لم يرد نص بالإباحة و لأنّه لم يرد عن النّبي صلى الله عليه و سلم أنّه أمر به و لا فعله هو و لا أصحابه و أمّا حديث عليٍّ رضي الله عنه الذي رواه بن ماجة :" إذا كان ليلة النّصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها". فقد سبق ذكره في الأحاديث الضعيفة بل و قال محمد رشيد رضا رحمه الله :" إنّه موضوع و مثل هذا لا يجوز إثبات حكم شرعي به .
و غاية ما جاء في هذه الصلاة ما فعله بعض التابعين من أهل الشام كما قال ابن رجب رحمه الله في اللطائف (ص:441):" و ليلة النّصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة و عنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها و قد قيل : "إنّهم بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك : فمنهم من قبله و وافقهم على تعظيمها و أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز و قالوا : ذلك كله بدعة".
ولا ريب أنّ ما ذهب إليه علماء الحجاز هو الحق الذي لا ريب فيه و ذلك لأنّ الله تعالى يقول :
" اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا". [المائدة:3]
ولو كانت الصلاة في تلك الليلة من دين الله تعالى لبيّنها الله تعالى في كتابه أو بيّنها رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله أو بفعله فلمّا لم يكن ذلك عُلِم أنّها ليست من دين الله تعالى و ما لم يكن منه فهو بدعة و قد صح عن النّبي صلى الله عليه و سلم أنّه قال :" كل بدعة ضلالة".
أمّا أن يصلي فيها ما يصليه في غيرها مثل أن يكون له عادة في قيام الليل فيفعل في ليلة النّصف ما يفعله في غيرها من غير أن يخصّها بزيادة معتقدا أنّه لذلك مزيّة فيها على غيرها فهذا أمر لا بأس به لأنّه لم يُحدث في دين الله ما ليس منه .
و أمّا أن يصلي في تلك الليلة صلوات ذات عدد معلوم يكرر كل عام فهذه المرتبة أشد ابتداعًا و أبعد عن السُنّة و الأحاديث الواردة فيها أحاديث موضوعة , قال الشوكاني رحمه الله تعالى في (الفوائد المجموعة ص:15 طبعة ورشة الشيخ نصيف) :" و قد رويت صلاة هذه الليلة أعني النّصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة و موضوعة".
2 ـ إعتقاد كثير من الناس أنّ مقادير العام تقدّر في ليلة النّصف من شعبان :
و هذا اعتقاد باطل فإنّ الليلة التي يُقدر فيها ما يكون في العام هي " ليلة القدر" كما قال تعالى :
" حم و الكتاب المبين إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين فيها يُفرق كل أمرٍ حكيم أمرًا من عندنا إنّا كنّا مُرْسلين رحمة من ربك إنّه هو السميع العليم". [سورة الدخان:1ــ6]
وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر كما قال تعالى :" إنّا أنزلناه في ليلة القدر". [سورة القدر:1] وهذه الليلة في رمضان لأنّ الله تعالى أنزل القرآن فيه, قال تعالى :" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للنّاس و بينات من الهدى و الفرقان". [سورة البقرة:185]
فمن زعم أن ليلة النّصف من شعبان يُقدر فيها ما يكون في العام فقد خالف ما دلّ عليه في هذه الآيات .
3 ـ توزيع أطعمة معيّنة في تلك اليلة :
من البدع ما يقوم به البعض من أنهم يصنعون أطعمة في يوم النّصف من شعبان يوزعونها على الفقراء و يسمونها " عشيات الوالدين" و هذا لا أصل له عن النّبي صلى الله عليه و سلم فيكون تخصيص هذا اليوم به من البدع التي حذر الرسول صلى الله عليه و سلم منها.
4 ـ صلاة ستّ ركعات بنيّة دفع البلاء :
من المحدثات و البدع المنكرات صلاة ستّ ركعات ليلة النّصف من شعبان بنيّة دفع البلاء و طول العمر و الإستثناء عن النّاس و قراءة سورة يس و الدعاء .
قال الإمام الغزالي في الأحياء : و هذه الصلاة مشهورة في كتب المتأخرين من السّادة الصوفية التي لم أرى لها و لا لدعائها مستندا صحيحا من السنّة إلا أنّه من عمل المبتدعة .
و قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : صلاة رجب ــ صلاة الرغائب ــ و صلاة شعبان بدعتان منكرتان قبيحتان .
و على هذا يجب عليك أخي ــ رحمك الله ــ أن تعبد الله بما شرّع لك في كتابه أو جاء مبيّنًا في سنّة نبيّه صلى الله عليه و سلم الصحيحة و سنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده صلى الله عليه و سلم .
و إيّاك و محدثات الأمور و مضلاّت الأعمال فإنّ البدع ضلالات و طامات و لا يستفيد العبد من عملها إلاّ البُعْد عن الله تبارك و تعالى و من الرسول صلى الله عليه و سلم إلاّ مقتاً .
قال الله تعالى :" فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ". [سورة النور:63]
أسأل الله تعالى أن يبلّغنا رمضان و أن يعيننا على صيام نهاره و قيام ليله .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية بالسارلند ساربروكن ألمانيا
غفر الله له و لوالديه و لزوجه و ولده و للمسلمين والمسلمات
- التفاصيل
-
نشر بتاريخ: الأربعاء، 13 تموز/يوليو 2011 20:58
-
الزيارات: 4198