النّهي عن صيام النصف الثّاني من شهر شعبان و الأحكام المُتعلّقة به

النّهي عن صيام النصف الثّاني من شهر شعبان

و الأحكام المُتعلّقة به

 

 

 

الحمد لله جلّ و علا ذي الأسماء الحسنى و الصّفات العُلا .. و أصلّي و أسلّم على نبيّ الهُدى و على آله و صحبه و من اهتدى

ثمّ أمّا بعد,

اعلم أخي ­ أرشدك الله تعالى لما يُحبّه و يرضاه ­ أنّه وردت نصوص في السنّة المُطهّرة تنهى عن الصّيام في النّصف الثّاني من شهر شعبان كما وردت نصوص أخرى تدُلّ على جواز الصيّام في النّصف الثّاني من شعبان.

 

بالنّسبة للنّهي:

ورد عند أبي داود و الترمذي و ابن ماجة من حديث أبي هريرة ­رضي الله تعالى عنه­ أنّ رسول الله ­صلّى الله عليه و سلّم­ قال:«إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»  [أبو داود 3237 و الترمذي: 738 و ابن ماجة: 1651 و صحّحه الشّيخ الألباني ­رحمه الله تعالى­ في صحيح الترمذي: 590].

 

و بالنّسبة لأحاديث الجواز منها:

1 ­ ما رواه البخاري و مسلم ­رحمهما الله تعالى­ عن أبي هريرة ­رضي الله تعالى عنه­ قال: قال رسول الله ­صلّى الله عليه و سلّم­ :«لا تَقَدَّموا رمضان بصوم يومٍ و لا يومين إلاّ رجل كان يصومُ صومًأ فليَصُمهُ» [البخاري: 1914 و مسلم: 1082].

فهذا الحديث يدلّ على جواز الصيّام بعد نصف شعبان لمن كانت له عادة بالصّيام كالإثنين و الخميس أو اعتاد أن يصوم يوما و يفطر يوما و هكذا..

 

2 ­ ما رواه البخاري و مسلم ­رحمهما الله تعالى­ عن أمّ المؤمنين عائشة ­رضي الله تعالى عنها­ قالت:« كان رسول الله ­صلّى الله عليه و سلّم­ يصوم شعبان كلّهُ, يصوم شعبان إلاّ قليلاً » [ البخاري: 1970 و مسلم: 1156 و اللّفظ لمسلم].

قال الإمام النّووي ­رحمه الله تعالى­ : قولها:« كان يصوم شعبان كلّهُ, يصومه إلاّ قليلاً » الثّاني تفسير للأوّل و بيان أنّ قولها « كُلّهُ » أي « غالبُهُ »  ا ه.

فهذا الحديث يدلّ على جواز الصّيام بعد النّصف من شعبان و لكن لمن وصله بما قبل النّصف.

 

• • أقوال أهل العلم في الجمع بين أحاديث النّهي و أحاديث الإباحة:

• ذهب الشّافعيّة إلى العمل بالأحاديث كلّها فقالوا:

 لا يجوز أن يصوم بعد النّصف من شعبان إلاّ لمن كان له عادة أو وصله بما قبل النّصف. هذا هو الأصحّ عند أكثرهم أنّ النّهي في الحديث للتّحريم.

 

• و ذهب بعض الشّافعيّة -كالروياني-  إلى أنّ النّهي للكراهة لا للتّحريم. [ انظر المجموع: 399\6-400 و فتح الباري: 129\4]

 

• قال الإمام النووي ­رحمه الله تعالى­ في كتابه الماتع الموسوم برياض الصّالحين ص: 412:

"باب النّهي عن تقدّم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلاّ لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الإثنين و الخميس" انتهى.

 

• • و ذهب جمهور العلماء إلى تضعيف حديث النّهي عن الصيّام بعد نصف شعبان و بناءً عليه فإنّ رأيهم: جواز الصّيام بعد نصف شعبان و لا كراهة في ذلك.

 قال الحافظ ابن حجر ­رحمه الله تعالى­ : و قال جمهور العلماء: يجوز الصّوم تطوّعا بعد النّصف من شعبان و ضعّفوا الحديث الوارد فيه و قال أحمد و ابن معين إنّه مُنكرٌ. ا ه من الفتح. و ممّن ضعّفه كذلك البيهقي و الطحاوي.

و ذكر العلاّمة ابن قدامة ­رحمه الله تعالى­ في المغني أنّ الإمام أحمد ­رحمه الله تعالى­ قال عن هذا الحديث:

" ليس هو بمحفوظ. و سألنا عنه عبد الرحمان ابن مهديٍّ فلم يُصحِّحهُ و لم يُحدّثني به و كان يتوقَّاهُ. قال أحمد: و العلاء ثقة لا يُنكر من حديثه إلاّ هذا" ا ه .

و العلاء هو العلاء بن عبد الرحمان يروي هذا الحديث عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.

و قد أجاب العلاّمة ابن القيّم ­رحمه الله تعالى­ على مَن ضعّف الحديث فقال: ­رحمه الله تعالى­:" إنّ هذا الحديث صحيح على شرط مسلم, و إنّ تفرّد العلاء بهذا الحديث لا يُعدُّ قادحًا في الحديث لأنّ العلاء ثقة و قد أخرج له مسلم في صحيحه عدّة أحاديث عن أبيه عن أبي هريرة ­رضي الله تعالى عنه­ و كثير من السُنن تفرّد بها ثقات عن النّبي ­صلّى الله عليه و سلّم­  قبلتها الأمّة و عملت بها.. ثمّ قال: و أمّا ظنّ معارضته بالأحاديث الدّالة على صيام شعبان فلا معارضة بينهما, و إنّ تلك الأحاديث تدلّ على صوم نِصفه مع ما قبله و على الصّوم المعتاد في النّصف الثّاني و حديث العلاء يدلّ على المنع مِن تعمّد الصّوم بعد النّصف لا لعادةٍ و لا مضافًا إلى ما قبله" ا ه .

 

• • و سُئل الشّيخ الوالد العلاّمة عبد العزيز بن باز ­رحمه الله تعالى­ عن حديث النّهي عن الصّيام بعد نصف شعبان فقال:" هو حديث صحيح كما قال الأخ العلاّمة الشّيخ ناصر الدين الألباني, و المُراد به النّهي عن ابتداء الصّوم بعد النّصف, أمّا من صام أكثر الشّهر أو كلّه فقد أصاب السُّنّة" ا ه. [ مجموع فتاوى الشّيخ ابن باز ­رحمه الله تعالى­ 385\15]

 

• • و قال الشّيخ العلاّمة ابن عثيمين ­رحمه الله تعالى­ في شرح رياض الصّالحين: (394\3):

" و حتّى لو صحّ الحديث فالنّهي فيه ليس للتّحريم و إنّما هو للكراهة فقط, كما أخذ بذلك بعض أهل العلم ­رحمهم الله ­ إلاّ من له عادة بصوم فإنّه يصوم و لو بعد نصف شعبان" ا ه.

 

و خلاصة الجواب عن هذه المسألة:

أنّه يُنهى عن الصّيام في النّصف الثّاني من شعبان إمّا على سبيل الكراهة أو التّحريم إلاّ لمن له عادة بالصّيام أو وصل الصيّام بما قبل النّصف و الله تعالى أعلم.

و الحكمة من هذا النّهي:

أنّ تتابع الصيّام قد يضعف عن صيام رمضان, فإن قيل: و إذا صام من أوّل الشّهر فهو أشدّ ضعفًا!

فالجواب: أنّ من صام من أوّل شعبان يكون قد اعتاد على الصّيام فتقلّ عليه مشقّة الصّيام.

قال القاري ­رحمه الله تعالى­: و النّهي للتنزيه رحمة على الأمّة أنْ يضْعُفُوا عن حقّ القيام بصيام رمضان على وجه النّشاط. و أمّا من صام شعبان كلّهُ فيتعوّد بالصّوم و يزول عنه الكُلفة" ا ه.

و الله أعلم.

نقلاً عن الإسلام سؤال و جواب (www.islam-qa.com.) بتصرّف.

 

 

كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية بالسارلند ساربروكن ألمانيا
غفر الله له و لوالديه و لزوجه و ولده و للمسلمين والمسلمات