الصّائمون و الطريق إلى باب الريّان

الصّائمون و الطريق إلى باب الريّان
 
 
     الحمد لله جلّ و علا ذي الأسماء الحسنى و الصّفات العلاو أصلّي و أسلّم على نبيّ الهُدى و على آله و صحبه و من اهتدى
ثمّ أمّا بعد,
 
     فاعلم أخي -رحمك الله تعالى- أنّ للصائمين فضائل و خصائص و ميزات كثيرة كثيرة منها هذه الخصوصيّة المذكورة فيما أخرجه الشّيخان البخاري و مسلم -رحمهما الله تعالى- من حديث سهل بن سعد -رضي الله تعالى عنه- عن النّبي -صلّى الله عليه و سلّم- قال:" إنّ في الجنّة بابًا يُقال له :الرّيَّان, يدخُلُ منه الصّائمون يوم القيامة, لا يدخل منه أحد غيرهم, فإذا دخلوا أغلق, فلم يدخل منه أحد [فإذا دخل آخرهم أغلق و من دخل شرب و من شرب لم يظمأ أبدًا]" [ البخاري:4\95 و مسلم: 1152 و الزيادة الأخيرة لابن خزيمة في صحيحه: 1903].
هذه الخصيصة العظيمة اختصّ الله تعالى بها الصّائمين الذين استجابوا لربّهم و قمعوا الشّهوات و كسروا حدّتها بالصّوم فابتعدوا بذلك عن النّار.
لذا يقول الرّسول الكريم -صلّى الله عليه و سلّم-:" ما من عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله إلاّ باعد اللهُ بذلك وجهَهُ عن النّار سبعين خريفًا"[ البخاري: 6\35 و مسلم: 1153 عن أبي سعيد الخدري و اللّفظ لمسلم].
فالصّيام حصن من النّار و جنّة يستَجِنُّ بها العبدُ من النّار.
فقد قال النّبي -صلّى الله عليه و سلّم- :" الصّيام جنّةٌ يستجِنُّ بها العبد من النّار"[ رواه أحمد: 3\241 و 3\296 عن جابر و أحمد 4\22 عن عثمان بن أبي العاص و هو حديث صحيح].
و بناءً على ذلك فالصّوم يُدني العبد من بحبوحة الجنّة: فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله دُلّني على عمل أدخل به الجنّة, قال: " عليك بالصّوم لا مِثْلَ له"[ رواه النّسائي:4\165 و ابن حبان في: 232 ­ موارد و الحاكم: 421 و سنده صحيح].
 
و السّؤال المُلحّ كيف يُحقّق الصّائم هذه الخصيصة العظيمة و هي الوُصول بصومه إلى باب الريّان؟
الجواب: لكي يصل الصّائم بصومه إلى باب الرّيان لابدّ أن يكون الصّيام متابعًا لهدي النّبي -صلّى الله عليه و سلّم- بعد الإخلاص لله تعالى فيه و ذلك على النحو التّالى:
 
أولاً : الإخلاص للّه تعالى   
أخرج الشّيخان البخاري و مسلم -رحمهما الله تعالى- في صحيحهما من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النّبي -صلّى الله عليه و سلّم- قال:" مَنْ صام رمضان إيمانًا و احتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه"[ البخاري:4\99 و مسلم: 759].
قال العلامة العثيمين -رحمه الله تعالى- :" يعني إيمانًا بالله و رضًا بفرضيّة الصّوم عليه و احتسابًا لثوابه و أجره, لم يكن كارها لفرضه و لا شاكاً في ثوابه و أجره فإنّ الله يغفر له ما تقدّم من ذنبه" [مجالس شهر رمضان ص:14]
 
و أخرج الشيخان أيضًا قول النّبي -صلّى الله عليه و سلّم- : " مَنْ قام ليلة القدر إيمانًا و احتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه" [البخاري: 4\217 و مسلم: 759].
قال العلاّمة العثيمين -رحمه الله تعالى- :" فقوله إيمانًا و احتسابًا يعني: إيمانًا بالله و بما أعدَّ اللهُ من الثّواب للقائمين فيها و احتسابًا للأجر و طلب الثّواب" [مجالس شهر رمضان ص: 161].
 
ثانيًا: المتابعة لهدي النّبي –صلّى الله عليه و سلّم- :
اعلم أخي -أرشدك الله إلى ما يُحبّه و يرضاه- أنّ هذه الفضائل و الأجور التي أعدّها الله تعالى للصّائمين تختلف زيادة و نقصانًا بنسبة قرب الصّائم أو بعده من سنّة الرّسول -صلّى الله عليه و سلّم- كما أشار إلى ذلك سيّد ولد آدم -صلّى الله عليه و سلّم- في قوله:" رُبّ صائم ليس له من صيامه إلاّ الجوع و العطش"[رواه ابن ماجة:1\539 و الدارمي: 2\211 و أحمد: 2\441 , 373, و البيهقي: 4\270 من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة و سنده صحيح].
لذلك ينبغي ان يتّبع الصائم هدي النّبي -صلّى الله عليه و سلّم- في صيامه على النّحو التّالي:
 
1­ احصاء عدّة شعبان:
 
ينبغي على المسلم أن يُحصي عدّة شعبان استعدادًا لرمضان فيصوم إذا رأى الهلال فإن حال بينه و بينها سحاب أكمل عدّة شعبان ثلاثين يومًا لأنّ الله تعالى جعل الأهلة مواقيت ليعلم النّاس عدد السّنين و الحساب و الشّهر لا يزيد عن ثلاثين يومًا, عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه و سلّم-:" صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين" [ البخاري: 4\106 و مسلم: 1081].
و عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه و سلّم-:" لا تصوموا حتّى تروا الهلال و لا تفطروا حتّى تروه فإنْ غُمَّ عليكم, فأقدرُوا له"[ البخاري: 4\102 و مسلم: 1080].
 
2­ أن يتجنّب صيام يوم الشّك:
لا ينبغي للمسلم أن يتقدَّم شهر رمضان بصوم يوم أو يومين احتياطًا, إلاّ أن يوافق ذلك صيامًا له:فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه و سلّم-:" لا تقَدَّمُوا رمضان بصوم يوم و لا يومين إلاّ رجلاً يصوم صومًا فليصمه"[رواه مسلم: 573].
و عن صلة بن زُفر عن عمّار:" من صام اليوم الذي يُشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم -صلّى الله عليه و سلّم-" [علقه البخاري: 4\119 و وصله أبو داود 3334 و الترمذي 686 و إبن ماجة 3334 و النّسائي 2188 و له طرق و شواهد أوردها الحافظ ابن حجر في " تغليق التحليق" 3\141 ­ 142 يُحَسّن الحديث بها].
 
3­ وجوب تبييت النّية في صوم الفريضة قبل طلوع الفجر:
إذا ثبت دخول شهر رمضان بالرؤية البصريّة أو الشهادة أو إكمال العدّة وجب على كلّ مسلم مُكلف أن ينوي صيامه في اللّيللقوله -صلّى الله عليه و سلّم-:" من لمْ يُجمع الصّيام قبل الفجر فلا صيام له"[ أخرجه أبو داود 2454 و ابن خزيمة 1933 و البيهقي 4\202 من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة و يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة و في لفظ عند الطحاوي في " شرح معاني الاثار" 1\54: " يُبيّت" من الطريق نفسه. و أخرجه النّسائي: 4\196 و الترمذي 730  من طريق أخرى عن يحيى به و سنده صحيح].
و قوله - صلّى الله عليه و سلّم-:" مَنْ لم يُبيّت الصيّام من الليل فلا صيام له" [أخرجه النّسائي: 4\196 و البيهقي: 4\202 و ابن حزم 6\162 من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب به. و سنده صحيح لولا عنعنة ابن جريج و لكنه صحيح بما قبله].
و النيّة محلها القلب و التلفظ بها بدعة ضلالة و إن رآها النّاس حسنة و تبييت النيّة مخصوص بصيام الفريضة لأنّ الرسّول - صلّى الله عليه و سلّم- كأن يأتي عائشة في غير رمضان فيقول: هل عندكم غداء؟ و إلاّ فإنّي صائم" [أخرجه مسلم: 1154].
 
4­ الإمساك عن الطعام و الشراب و الجماع من طلوع الفجر الصادق حتى غروب الشمس:
يجب على الصائم أن يمسك عن الطعام و الشراب و الجماع من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشّمس لقوله تعالى:
"...وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ " [ سورة البقرة187 ]
 
5­ صيام الجوارح في رمضان:
فالصّائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام و لسانه عن الكذب و الفحش و قول الزّور و بطنه عن الشّراب و الطّعام و فرجه عن الرّفث, فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه و إن فعل لم يفعل ما يفسد صومه فيخرج كلامه طيّبا و عمله صالحًا.
فيجب على الصّائم أن يجتنب ما يلي:
·        قول الزّور:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم-:" مَنْ لم يدعْ قول الزّور و العمل به فليس لله عزّ و جلّ حاجةٌ أن يدع طعامه و شرابه" [ رواه البخاري: 4\99].
 
·        اللغو و الرّفث:
فعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم-:" ليس الصّيام من الأكل و الشرب إنّما الصّيام من اللّغو و الرّفث, فإن سابّك أحدٌ أو جَهِلَ عليك فقل: إنّي صائم إنّي صائم" [ رواه ابن خزيمة: 1996 و الحاكم: 1\430­431] و سنده صحيح.
 
6­ تحصيل الخير في تعجيل الفطر:
إذا عجّل الصّائم الفطر فقد أبقى على سنّة الرسول - صلى الله عليه و سلم- و منهاج السّلف الصّالح و عندها يحقق الهداية و يجتنب البدعة و الضلال بإذن الله. فعن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم-:" لا تزال أمّتي على سنّتي ما لم تنتظر بفطرها النّجوم" [ رواه ابن حبان: 891 بسند صحيح و أصله في الصّحيحين].
و في تعجيل الفطر مخالفة لأهل الكتاب: فعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أنّ النّبي - صلّى الله عليه و سلّم- قال:" لا يزال الدّين ظاهرًا ما عجّل النّاس الفطر لأنّ اليهود و النّصارى يُؤخّرون" [ رواه أبو داود: 2\305 و ابن حبان: 224 و سنده حسن].
و لأنّ تعجيل الفطر من أخلاق الأنبياء: فعن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه- قال:" ثلاث من أخلاق النّبوة: تعجيل الإفطار و تأخير السّحور و وضع اليمين على الشّمال في الصّلاة" [رواه الطبراني في الكبير كما في المجمع: 2\105 و قال مرفوعًا ز موقوفًا و الموقوف صحيح و المرفوع في رجاله من لم أجد من ترجمة: هذا تحريم الشيخين: سليم بن عبد الهلالي و الشيخ علي حسن الحلبي ­حفظهما الله­ راجع صفة صوم النّبي ص: 65­66 قالا: و الموقوف ­كما هو ظاهر­ له حكم الرفع أيضا].
 
الإفطار على رطبات أو تمرات أو حسوات من ماء:
كان رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- يحضّ على الفطر بالتمر فإن لم يجد فعلى الماء و هذا من كمال رحمته و شفقته و حرصه - صلى الله عليه و سلّم- على أمّته و نصحهم.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال:" كان النّبي - صلّى الله عليه و سلّم- يُفْطر على رطبات قبل أن يُصلّي فإن لم يكن رطبات فتمرات فإن لم يكن تمرات حسا حسواتٍ من ماء". [ رواه أحمد: 3\163 و أبو داود: 2\306 و ابن خزيمة: 3\277 , 278 و الترمذي: 3\70 من طريقين عن أنس و سنده صحيح].
 
8­ الدعاء عند الإفطار مستجاب:
أخبر النّبي الأمين - صلّى الله عليه و سلّم- أنّ للصّائم دعوة لا تُردّ: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- : " ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصّائم و دعوة المظلوم و دعوة المسافر". [ رواه العقيلي في " الضعفاء " 1\72 و أبو مسلم الكجّي في " جُزئه " و من طريق ماسي في " جزء الأنصاري " ق 9\ ب   و سنده صحيح لولا عنعنة يحيى بن أبي كثير و له شاهد: و هو الآتي بعده].
و هذه الدّعوة التي لا تُردّ تكون عند الفطر لحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- عن النّبي - صلّى الله عليه و سلّم-  :" ثلاث لا تُردُّ دعوتهم: الصّائم حين يُفطر و الإمام العادل و دعوة المظلوم " [ رواه الترمذي:2528 و ابن ماجة: 1752 و ابن حبان: 2407 و فيه جهالةُ أبي مُدِلَّةَ].
و عن عبد الله بن عمر بن العاص - رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- :" إنّ للصّائم عند فِطرِه لَدعوة ما تُرَدّ" [ رواه ابن ماجة: 1\557 و الحاكم: 1\422 و ابن السني 128 و الطيالني: 299 من طريقين عنه و قال البويصيري 2\81 : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات].
 
9­ أفضل الدعاء عند الإفطار:
و أفضل الدّعاء عند الإفطار, الدّعاء المأثور عن رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- فقد كان يقول - صلّى الله عليه و سلّم- عند فطره: " ذهب الظمأ و ابتلّت العروق, و ثبت الأجر إن شاء الله ". [ أخرجه أبو داود: 2\306 و البيهقي: 4\239 و الحاكم: 1\422 و ابن السني: 128 و النّسائي في "عمل اليوم" 269 و الدارقطني: 2\185 و قال اسناده حسن].
 
10­ إطعام صائم:
و على الصّائم أن يحرص على أن يفطر صائمًا لما في ذلك من الأجر العظيم و الخير العميم.
 قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- :" مَنْ فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنّه لا يُنقِص من أجر الصّائم شيئًا". [رواه أحمد: 4\114­115 و 116 , 5\192 و الترمذي:804 و ابن ماجة: 1746 و ابن حبان: 895 و صحّحه الترمذي].
 
11­ السَّحور بركة:
و يُستحبّ للصّائم الحرص على السّحور لأنّ فيه بركة و اتّباع للسنّة, فعن سلمان - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- :" البركة في ثلاثة: الجماعة و الثّريد و السَّحور". [رواه الطبراني في الكبير: 6127 و أبُو نُعيم في " ذكر أخبار أصبهان ": 1\57 عن سلمان الفارسي و سنده حسن بشواهده].
ومن أعظم بركات السَّحور أنّ الله تعالى يشمل المتسحّرين بمغفرته و يسبغ عليهم رحمته و ملائكة الرّحمن تستغفر لهم و تدعو الله أن يعفو عنهم. فعن أبي سعيد الخدري ­ رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- :" السَّحور أكْلَه بركة فلا تدَعوه و لو أن يجْرَعَ أحدُكم جرعة من ماء فإنّ الله و ملائكته يصلّون على المتسحّرين". [رواه ابن أبي شيبة 3\8 و أحمد 3\12 و 3\44 من ثلاث طرق عن أبي سعيد الخدري و يشهد بعضها لبعض].
و يُستحبّ تأخير السَّحور إلى قبيل الفجر لأنّ النّبي - صلّى الله عليه و سلّم- و زيد بن ثابت ­ رضي الله عنه­ تسحّرا فلمّا فرغا من سحورهما قام النّبيّ - صلّى الله عليه و سلّم- إلى الصّلاة و كان بين فراغهما من سحُورهما و دخولهما في الصّلاة كقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية من كتاب الله.
 فقد روى أنس ­ رضي الله عنه­ عن زيد بن ثابت ­رضي الله عنه­ أنّه قال:" تسحّرنا مع النّبي - صلّى الله عليه و سلّم- ثمّ قام إلى الصّلاة, قلتُ: كم كان بين الاذان و السَّحور؟ قال: قدر خمسين آية" [ البخاري: 4\118 و مسلم: 1097].
 
12­ صيام ليلة القدر و قيامها إيمانا و احتسابًا و الدعاء فيها:
 و على الصّائم أن يصوم ليلة القدر و يقومها إيمانًا و احتسابًا لقول النّبي –صلّى الله عليه و سلّم- :" من قام ليلة القدرإيمانًا و احتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه" [رواه البخاري: 4\217 و مسلم: 759].
و يُستحبّ الدّعاء فيها و الإكثار منه فقد ورد عن أمّ المؤمنين الصدّيقة بنت الصدّيق عائشة ­ رضي الله عنها­ قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمتُ أيّ ليلة ليلة القدر, ما أقول فيها ؟ قال:" قولي: اللّهمّ إنّك عفُوٌّ تُحبُّ العَفْوَ فاعْفو عنّي". [رواه الترمذي: 3760 و ابن ماجة: 3850 و سنده صحيح].
 
13­ الاجتهاد و الاعتكاف في العشر الأخير من رمضان:
 يستحبّ للصّائم الاجتهاد و الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان اتّباعًا لهدي رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم-. فعن عائشة ­ رضي الله تعالى عنها­ قالت:" كان النّبيّ - صلّى الله عليه و سلّم- إذا دخل العشرُ شدَّ مِئزرَهُ و أحيى ليله و أيقظ أهله." [ رواه البخاري: 4\233 و مسلم: 1174 و معنى شدّ مِئزره: أي اعتزل النّساء من أجل العبادة و شمّضر في طلبها و جدَّ في تطلّبها].
و عنها ­ رضي الله تعالى عنها­ :" كان رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها" [رواه مسلم: 1174].
و عنها ­ رضي الله تعالى عنها­ قالت:" كان النّبيّ - صلّى الله عليه و سلّم- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتّى توفاه الله عزّ و جلّ" [ رواه البخاري: 4\226 و مسلم: 1173].
 
14­ الحرص على صلاة التّراويح في رمضان:
تشرع صلاة التّراويح جماعة لحديث عائشة ­ رضي الله تعالى عنها­ : " أنّ رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- خرج ليلة في جوف الليل فصلّى في المسجد و صلّى رجال بصلاته فأصبح النّاس فتحدّثوا فاجتمع أكثر منهم, فصلّى فصلّوا معه, فأصبح النّاس فتحدّثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثّالثة فخرج رسول الله -صلّى الله عليه و سلّم- فصلّى بصلاته, فلمّا كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلمّا قضى الفجر أقبل على النّاس فتشهّد ثمّ قال:" أمّا فإنّه لم يخف عليّ مكانكم و لكن خشيتُ أن تُفرض عليكم فتعجزوا عنها" فتوفى رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- و الأمرُ على ذلك" [ البخاري: 3\220 و مسلم: 761].
 فلمّا لحق رسول الله - صلّى الله عليه و سلم- بجوار ربّه استقرّت الشّريعة و زالت الخشية و بقيت مشروعيّة صلاتها جماعة قائمة لزوال العلة و أحيى هذه السنّة الخليفة الرّاشد عمر بن الخطاب ­ رضي الله عنه­.
 
15­ اخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد:
 يجب على الصّائم إخراج زكاة فطره عن نفسه و عمن يعول قبل صلاة العيد و هي فرض لحديث ابن عمر ­ رضي الله تعالى عنهما­ :" فرض رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- زكاة الفطر [ في رمضان على الناس]"[ رواه البخاري: 3\291 و مسلم: 984 و الزيادة له].
و لحديث ابن عباس ­ رضي الله تعالى عنهما­ :" فرض رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- زكاة الفطر" [ رواه أبو داود: 1622 و النسائي: 5\50 و فيه عنعنة الحسن لكنّ ما قبله شاهد له].
و تجب زكاة الفطر على الصّغير و الكبير و الذكر و الأنثى و الحرّ و العبد من المسلمين لحديث عبد الله بن عمر ­رضي الله تعالى عنهما­ :" فرض رسول الله –صلّى الله عليه و سلّم- زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على الحرّ و العبد و الذكر و الأنثى و الصّغير و الكبير من المسلمين " [رواه البخاري: 3\261 و مسلم: 984].
و تخرج زكاة الفطر من غالب قوت البلد و تعطى للمساكين و ذلك لحديث عبد الله بن عبّاس ­ رضي الله عنهما­ :" فرض رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- زكاة الفطر طهرة للصّائم من اللّغو و الرّفث و طعمة للمساكين".[رواه أبو داود: 1622 و النسائي: 5\50].
وقتها قبل العيد بيوم أو يومين و لا تؤخر بعد الصّلاة و إلا اعتبرت صدقة من الصدقات لقول النّبيّ - صلّى الله عليه و سلم- في حديث عبد الله بن عبّاس ­ رضي الله عنهما- :" ...مَن أدّاها قبل الصّلاة فهي زكاة مقبولة, و مَنْ أدّاها بعد الصّلاة فهي صدقة من الصدقات" [ رواه أبو داود: 1622 و النسائي: 5\50].
 
16­ الإكثار من أعمال البِرّ:
و يُستحبّ للصّائم على مائدة رمضان الإكثار من أعمال البِرّ كالدّعاء و الاستغفار و كثرة ذكر الله تعالى و قراءة القرآن و الاجتهاد في ذلك فإن حقّق ما سبق ذكره وصل إلى مطلوبه و حقّق مرغوبه و كان من عُتقاء رمضان و من الفائزين يوم القيامة بالدخول إلى الجنّة من باب الريّان.
 
هذا و الله الموفّق و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
 
 
 
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية بالسارلند ساربروكن ألمانيا
غفر الله له و لوالديه و لزوجه و ولده و للمسلمين والمسلمات

تسجيل الدخول

إحصائيات الموقع

10130842
اليوم  :اليوم :964
الأمس  :الأمس :1826
الأسبوع  :الأسبوع :7865
الشهر  :الشهر :39496
الكل  :الكل :10130842

المتواجدون حاليا

338 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع