- التفاصيل
-
كتب بواسطة: admin
-
المجموعة: ملف رمضان
ليلة القدر خير من ألف شهر
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده
أما بعد
فاحرص أخي ـ رحمك الله ـ و أنت على مائدة رمضان على اغتنام ليلة الحُكم الجامعة لحكم الله القدري و حكمه الشرعي.
و لعلك أخي تسأل و ما تلك اليلة الجامعة للحُكم ؟!
الإجابة إنها الليلة المباركة التي عظّمها الله و شرَّفها بنزول القرآن على مائدتها و هي الليلة التي خصّ الله هذه الأمة فيها بكرامة و هبة إلاهية فجعل العبادة في هذه الليلة خير من عبادة ألف شهر ممّا كانت الأمم السابقة تتعبّد فيها و هي مدة تقدر بعمر رجل عمّر ثلاثا و ثمانين سنة و أربعة أشهر في طاعة متواصلة, و هي الليلة التي تتنزّل فيها الملائكة إلى الأرض و تغمرها و في مقدمة الملائكة جبريل ـ عليه السلام ـ فيهبطون من كل سماء و من سدرة المنتهى فينزلون الأرض و يؤمّنون على دعاء الناس و يسلمون على أنفسهم و على المؤمنين في المساجد حتى يطلع الفجر, و هي الليلة التي من قامها و أحياها إيمانا و احتسابا بالقيام و الذكر و الدعاء غفر له ما تقدم من ذنبه, و هي الليلة التي لها دعاء مخصوص مستجاب لعلك أخي عرفتها الآن ؟
نعم إنها ليلة القدر ليلة الحكم, الجامعة بين حكم الله القدري و حكمه الشرعي فقد تنزل القرآن فيها بالأحكام الشرعية و التي تُعلم الناس ما يقربهم إلى الله و لذلك قال الله تعالى :« إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين » [ الدخان : 3 ].
و قال تعالى :« إنّا أنزلناه في ليلة القدر و ما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة و الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر » [ القدر : 1 ـ 5 ].
و فيها أيضا تتنزل الأحكام القدرية حيث يُفصَل فيها كُلّ أمر حكيم من اللوح المحفوظ إلى الكتبة بما يكون من أمر السنة من الآجال و الأرزاق و الأعمال و لهذا قال سبحانه :« فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنّا كنّا مرسلين » [ الدخان 4 ـ 5 ].
فيالها من ليلة إنّها منحة عظيمة من الله تعالى للصائمين القائمين, و منّة جليلة للمؤمنين المحتسبين و هي نجاة من الحرمان و فوز بالقبول و الغفران.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال :« من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » و في رواية لهما :« من صام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه و من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » [ البخاري 35, 37, 1901, 2014 و مسلم 760 و أبو داود 1372 و النسائي 2202, 2206, 2207, 5027 و الترمذي 683 عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ].
و ليلة القدر : منحصرة في العشر الأواخر من رمضان و كل ليالي العشر الأواخر محتملة لها لكن ليالي الوتر أرجاها, و أرجى الوتر ليلة سبع و عشر.
علامات ليلة القدر
و قد ورد لليلة القدر علامات أكثرها لا تظهر إلا بعد أن تمضي, فهي ليلة طلقة أي سهلة طيِّبة لا حارّة و لا باردة و الملائكة في تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى و تطلع الشمس صبيحتها بيضاء ليس لها كثيرُ شعاع.
ففي صحيح مسلم عن زِرٍّ قال : سمعت أبيّ بن كعب يقول : وقيل له : إنّ عبد الله بن مسعود يقول :« من قام السَنة أصاب ليلة القدر » فقال أبيّ :« والله الذي لا إله إلا هو إنّها لفي رمضان يحلف ما يستثني و والله إنّي لأعلم أي ليلة هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه و سلم بقيامها (هي ليلة صبيحة سبع و عشرين و أمارتها أن تطلع الشمس من صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها ) »
و رواه ابو داود و لفظه : « تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطـّستِ ليس لها شعاع حتى ترتفعَ » [ البخاري ( 762 ) و أبو داود ( 1378 ) الترمذي ( 793 ـ 3351 ) ].
وروى الطيالسِّي عن ابن عباس ـرضي الله عنهما ـ أنّ رسول الله ـصلى الله عليه و سلم ـ قال :« في ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة و لا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء » و روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال في ليلة القدر إنها ليلة سابعةٍ أو تاسعةٍ و عشرين إنّ الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى.
[ حديث حسن : الطيالسي ( 1/232 ) و قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة ( 5/240 ) : و هذا إسناد حسن و سكت عليه الحافظ في الفتح ].
القيام و الدعاء ليلة القدر
و يُسنُّ الإكثار من الصلاة فيها و الدعاء و الاجتهاد في ذلك و غيره من العبادات فيها لقوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ :« من قام ليلة إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه »
و يستحب الدعاء فيها : روى الترمذي عن عائشة ـ رضي الله ـ قالت :« قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أيُّ ليلة ليلة القدر ما أقول فيها ؟ قال : قولي : اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنّي » [ صحيح الترمذي ( 3513 ) عن عائشة و قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح و صححه الألباني ـ رحمه الله ـ].
و يستحب : إحياؤها بالعبادة إلى مطلع الفجر.
و قد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافا كثيرا كما وقع ذلك في ساعة الجمعة و قد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما.
أحاديث جاءت في تعيين ليلة القدر :
1 ـ في الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :« كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يُجاور في العشر الأواخر من رمضان و يقول : تَحَرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان » و في رواية للبخاري :« تَحَرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان » [ البخاري ( 2017, 2020 ) مسلم ( 1169 ) الترمذي ( 792 ) ].
2 ـ و روى البخاري عن عُبَادَة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال :« خرج النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى ( أي تشاجر و تنازع ) رجلان من المسلمين فقال : خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان و فلان فرُفِعَت و عسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة و السابعة و الخامسة » [ البخاري ( 49, 2033, 6049 ) ].
قال دِحيَة : الرجلان هما : عبد الله بي أبي حَدرَد و كعب بن مالك ـ رضي الله عنهما ـ.
و معناه رُفع بيان عَينِها و قد كان أخبر بها و أعلِمَ وقتها فنـُسِّيَها و السبب فيه ما أوضحه مسلم من حديث أبي سعيد في هذه القصة قال : « فجاء رجلان يَحتَقَّان معهما الشيطان فنُسِّيتُها ». و يحتَقَّان بتشديد القاف أي : يَدَّعي كُلّ منهما أنه المحق.
قال الحافظ في الفتح : قال القاضي عياض : فيه دليل على أن المخاصمة مذمومة و أنها سبب في العقوبة المعنوية أي : الحرمان و فيه أن المكان الذي يحضره الشيطان ترفع منه البركة و الخير.
فإن قيل : كيف تكون المخاصمة في طلب الحق مذمومة ؟
فالإجابة : إنما كانت كذلك لوقوعها في المسجد و هو محل الذكر لا اللغو ثم في الوقت المخصوص بالذكر لا اللغو و هو شهر رمضان فالذمّ لما عَرَضَ فيها لا لذاتها ثم إنها مستلزمة لرفع الصوت و رفعُه بحضرة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ منهيّ عنه لقوله تعالى :« لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم و أنتم لا تشعرون » [ الحجرات : 3 ].
و قوله : عسى أن يكون خيرا , أي : وإن كان عدم الرفع أزيَدَ خيرا و أولى منه لأنه متحقق فيه لكن في الرفع خير مرجُوّ لاستلزامه مزيد الثواب لكونه سببا لزيادة الاجتهاد في التماسها في كل الليالي.
فاللهم بلغنا ليلة القدر و أنت راض عنّا, اللهم آمين.
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد
سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية
إقليم السارلند ساربروكن ألمانيا
- التفاصيل
-
نشر بتاريخ: الخميس، 02 أيلول/سبتمبر 2010 19:33
-
الزيارات: 5081