الدعوة إلى الله قربة من أعظم القربات 1

الدعــوة الــى الله عز و جل قربــة من اعظــم القربـــــــات 2/1
 
اعلم أخى في الله أنّ الدعوة الى الله عز و جل من أعظم القربات و عبادة من أجل العبادات و الدليل على ذلك قول الله تعالى : ″ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين ″ ﴿فصلت: ٣٣﴾ و قوله تعالى :″ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ″ ﴿النحل: ١٢٥﴾
وبين الله تعالى أنّ خيرية هذه الأمة المسلمة مرتبطة بالدعوة إلى الله عز و جل المتمثلة في التوحيد الخالص و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
فقال الله تعالى:″كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ″ ﴿آل عمران: ١١٠﴾
و ربط الله تعالى الفلاح و الفوز في الدنيا و الآخرة بالدعوة إليه جل و علا، فيوم أنّ يقوم الدعاة بواجبهم في الدعوة إلى الخير يتحقق فلاحهم. يقول الله تعالى: ″و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون ″ ﴿آل عمران: ١٠٤﴾
فالدعوة الى الله عز وجل ـ كما ذكرنا ـ قربة من أعظم القربات و عبادة من أجلّ و أشرف العبادات لذا يحتاج الدعاة إلى الله عز و جل إلى تهيئة و تأهيل :
- التهيئة تكون بتحقيق العبودية لله عزّ و جلّ بدوام الصلة بالله سبحانه فهي كمال في الذل مع كمال في الحب لله الواحد.
- و التأهيل يكون بالعلم الشرعي المستمد من كتاب الله و سنة رسوله محمد – صلى الله عليه و سلم – بفهم الصحابة الكرام و تابيعهم و تابعي تابيعهم و من سار على دربهم و اقتفى آثارهم إلى يوم القيامة من العلماء الراسخين و الدعاة المخلصين و من اتصف بصفاتهم من الدعاة فقد نال خيرا عظيما.
قال الله تعالى : " يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما يذّكّر إلاّ أولوا الألباب " ﴿البقرة: ٢٦٩﴾
و الحكمة معناها مراعاة حال المدعوين من حيث اللين و الرفق أو الشدة و الحزم فيعرف الداعية متى يكون لينا رفيقا و متى يكون حازما شديدا وفق مقتضى الحال
و إليك اخي في الله بعض المواقف الإيمانية لبيان حكمة النبي- صلى الله عليه و سلم- في مجال الدعوة إلى الله عز و جل لتكون زادا للدعاة إلى الله عز و جل و للمربين في جميع المؤسسات و لمريدي الإصلاح في كل زمان و مكان فمتابعة النبي صلى الله عليه و سلم شرط من شروط قبول الأعمال و الأقوال بعد الإيمان بالله تعالى و الإخلاص لله في القول و العمل بعد ذلك المتابعة لسنّة النبي صلى الله عليه و سلم و إليكم بعض هذه المواقف الإيمانية :
 
1- موقفه صلى الله عليه و سلم – مع معاوية بن الحكم
 
خرّج الإمام مسلم – رحمه الله – في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه – قال : << بينما أنا اصلي مع رسول الله – صلى الله عليه و سلم – إذ عطس رجل من القوم، فقلت : يرحمك الله (1), فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إليّ؟
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني سكت, فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه و سلم – فبأبي هو و أمي ما رأيت معلما قبله و لا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما قهرني و لا ضربني و لا شتمني , قال : خرجه الإمام مسلم في صحيحه (5/20).
فانظر إلى حكمته - صلى الله عليه و سلم – في التعليم و كيف كان رفيقا بمعاوية بن الحكم الذي يجهل الحكم فعلمه برفق و لين و هذا من الحكمة لأن حال المدعو هنا في حاجة إلى الرفق و اللين.
(1) لعل معاوية بن الحكم لم يعلم بنسخ الكلام في الصلاة فقد كان الكلام في الصلاة ماذونا به حتى نزل قول الله تعالى : فنسخ الكلام.و الاية من سورة البقرة 238.)
 
2- موقفه صلى الله عليه و سلم – مع الاعرابي الذي بال بالمسجد :
 
خرّج الإمام مسلم – رحمه الله – أيضا من رواية أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : بينما نحن في المسجد مع رسول الله - صلى الله عليه و سلم – إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد
فقال أصحاب رسول الله ­ صلى الله عليه و سلم : مه مه قال رسول الله ­ صلى الله عليه و سلم ­ : لا تزرموه دعوه ¸ فتركوه حتى بال ثم إن رسول الله ­ صلى الله عليه و سلم ­ دعاه فقال له:″ إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول و لا القذر إنما هي لذكر الله و الصلاة و قراءة القرآن . قال : فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه.
ما أعظم هذا الأسلوب النبوي في دعوة هذا الأعرابي الذي يجهل هذه الأحكام فكان به رفيقا رحيما.
.
3­ موقفه ­ صلى الله عليه و سلم ­ مع الشاب الذي استأذنه في الزنا:
خرّج الإمام أحمد رحمه الله و غيره من رواية أبي أمامة رضي الله عنه قال:″ إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه″ فزجروه و قالوا :″ مه مه !″ فقال له :″ أدنه ″ فدنا منه قريبا قال :″ أتحبه لأمك ؟! ″ قال:″ لا و الله جعلني الله فداك ″ قال:″ و لا النّاس يحبونه لأمهاتهم ″ قال :″ أفتحبه لابنتك؟ ″ قال:″ لا و الله يا رسول الله جعلني الله فداك ″ قال:″ و لا النّاس يحبونه لبناتهم ″ قال:″ أفتحبه لأختك ؟ ″ قال:″ لا و الله جعلني الله فداك ″ قال:″ و لا الناس يحبونه لأخواتهم ″ قال ″ أفتحبه لعمتك؟ ″ قال:″ لا و الله جعلني الله فداك″ قال :″ و لا النّاس يحبونه لعماتهم ″ قال :″ أفتحبه لخالتك؟ ″قال:″ لا و الله جعلني الله فداك ″ قال:″ ولا الناس يحبونه لخالاتهم″ قال : فوضع يده عليه و قال :″ اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و حصن فرجه ″ فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت الى شئ.

ففي هذه المواقف التي ذكرت و غيرها كثير استعمل النبي صلى الله عليه و سلم الرفق و اللين و دعا إلى التيسير و البعد عن التعسير و التنفير لأن حال المدعوين في هذه المواقف و أمثالها كان يتطلب الرفق و اللين و الحلم. و إلى لقاء آخر و استخدام الحزم و الشدة في الدعوة إلى الله مراعاة لحال المدعوين و الله الموفق.



كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد
سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية
إقليم السارلند ساربروكن ألمانيا