- التفاصيل
-
كتب بواسطة: admin
-
المجموعة: مؤلفات مختلفة
مع الخلفاء الراشدين
رضي الله عنهم
الحمد لله جلّ و علا ذي الأسماء الحسنى و الصفات العلى
و أصلي و أسلم على نبي الهدى و على آله و أصحابه و من اهتدى
ثم أما بعد
فاعلم أخي ـ رعاك الله ـ أن للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فضلا عظيما على هذه الأمة حيث قاموا بنصرة الله و رسوله و الجهاد في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم و حفظ دين الله بحفظ كتابه و سنة رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ علما و عملا و تعليما حتى بلّغوه الأمة نقيا طريا و قد أثنى الله تعالى عليهم في كتابه الكريم حيث يقول في سورة الفتح :« محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا »[ الفتح 29 ]
ـ قال الطبري ـ رحمه الله ـ :« فالسعيد من تولى جملتهم و لم يفرِّق بين أحد منهم و اهتدى بهديهم و تمسك بحبلهم, و الشقي من تعرَّض للخوض فيما شجر بينهم و اقتحم خطر التفريق بينهم و أتبع نفسه هواها في سبَّ أحد منهم فله الحمد و المنَّة أن أعاذنا من ذلك و نسأله دوام نعمته و تمامها أمين » [الرياض النضرة في مناقب العشر للمحب الطبري 1 /33 ]
ـ و قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ :« اتفق أهل السنة على أن الجميع عُدول و لم يخالف في ذلك إلا شُذوذ من المبتدعة ثم نقل عن الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم و إخباره عن طهارتهم و اختياره لهم من ذلك قوله تعالى : كنتم خير أمة أخرخت للناس » [البقرة : 143 ]
و قوله :« لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم » [ الفتح : 18 ]
و قوله :« و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار » [ التوبة : 100 ]
في آيات يطول ذكرها, و في أحاديث شهيرة يكثر تعدادها, و جميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم, و لا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق, على أنه لو لم يرد من الله فيهم شيئا مما ذكرناه, لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة و الجهاد و نصرة الإسلام و بذل المُهَج و الأموال و المناصحة في الدين و قوة الإيمان و اليقين القطع على تعديلهم و الإعتقاد لنزاهتهم و أنهم كافة أفضل من جميع الخالفين بعدهم, و المعدلين الذين يجيئون من بعدهم هذا مذهب كافة العلماء و من يعتمد قوله ثم روى بسنده عن أبي زُرعة الرازي قال :« إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فاعلم أنه زنديق و ذلك أن الرسول حق و أن القرآن حق و ما جاء به حق و إنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة و هم يريدون أن يجرحوا شُهُودَنَا ليبطلوا الكتاب و السنة و الجرح بهم أولى و هم زنادقة » أهـ [ الإصابة 6 ـ 7 ]
ـ فالصحابة ـ رضي الله ـ عنهم كلهم عُدُول بتعديل الله عز و جل لهم و تعديل رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فهم أعدل أئمة الجرح و التعديل الذين يقبل قولهم و يُعتد بشهادتهم و حكمهم و هذا ما يجب أن يعتقده كل مسلم.
ـ و قال الطحاوي ـ رحمه الله ـ في بيان عقيدة أهل السنة و الجماعة :« و نحب أصحاب محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لا نفرِّط في حب أحد منهم و نبغض من يبغضهم و بغير الخير يذكرهم و لا نذكرهم إلا بالخير و حبهم دين و إيمان و بغضهم كفر و نفاق و عصيان » [ شرح العقيدة الطاحوية ص : 356 ]
ـ و قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الواسطية :« و من أصول أهل السنة و الجماعة سلامة قلوبهم و ألسنتهم لأصحاب رسول الله ـ صلى الله عليهم و سلم ـ كما وصفهم الله في قوله تعالى : و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخوننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم » [ الحشر ك 10 ]
و طاعة النبي ـ صلى الله عليهم و سلم ـ في قوله :« لا تسُبُّوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحُد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم و لا نصيفه » [ خرجه البخاري 7 / 21 و مسلم 16 / 93 و الترمذي 13 / 244 و أبو داود : 4633 و أحمد 3 / 11 ]
و يقبلون ما جاءبه الكتاب و السنة و الإجماع من فضائلهم و مراتبهم و يفضلون من أنفق من قبل الفتح ـ و هو صلح الحديبية ـ و قاتل على من أنفق من بعد الفتح و قاتل, و يقدِّمون المهاجرين على الأنصار و يؤمنون بأن الله قال لأهل بدر و كانوا ثلاثمائة و بضعة عشر : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » [ رواه مسلم 16 / 65 ـ 57 ]
و بأنه لا يدخل النّار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بل لقد رضي الله عنهم و رضوا عنه و كانوا أكثر من ألف و أربعمائة. و يشهد بالجنة لمن شهد له رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كالعشرة و ثابت بن قيس بن شمَّاس و غيرهم من الصحابة. و يُقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ و غيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر و يثلثون بعثمان و يربعون بعليّ ـ رضي الله عنهم ـ » [ شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام لمحمد خليل الهراس ص: 116 ـ 118 ]
ـ و قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ تعالى :« و الصحابة كلهم عُدُول عند أهل السُنَّة و الجماعة و قول المعتزلة : الصحابة كلهم عدول إلا من قاتل عليا " قول باطل مردود مردود» [ الباعث الحثيث : 181 ـ 182 ]
ـ و قال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ :« فالصحابة كلهم عدول أولياء الله تعالى و أصفياؤه و خيرته من خلقه بعد أنبيائه و رسله و هذا مذهب أهل السنة و الذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة و قد تذهب شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم فيلزم البحث عن عدالتهم, و منهم من فرَّق بين حالهم في بداءة الأمر فقال : إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب و سفك الدماء فلابد من البحث و هذا مردود فإن خيار الصحابة كعليّ و طلحة و الزُّبير و غيرهم ـ رضي الله عنهم ـ ممن أثنى الله عليهم و زكاهم و رضى عنهم و أرضاهم و وعدهم الجنة بقوله تعالى :« مغفرة و أجرا عظيما » [ الفتح : 29 ]
و خاصة العشرة المقطوع لهم بالجنة بإخبار الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ مع علمهم بكثير من الفتن و الأمور الجارية عليهم بعد نبيهم بإخباره لهم بذلك و ذلك غير مسقط من مرتبتهم و فضلهم إذ كانت تلك الأمور مبنية على الإجتهاد و كل مجتهد مصيب »[ الجامع لأحكام القرآن : 7 / 6119 ] ط . الشعب.
ـ هذا عن منزلة الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ و معتقد أهل السنة و الجماعة فيهم و على رأسهم الخلفاء الراشدون الذين أمرنا النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ باتباع طريقتهم و التمسك بسنتهم أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ ـ رضي الله عنهم ـ فمن حقوق الصحابة علينا :
1 ـ محبتهم بالقلب و الثناء عليهم باللسان بما أسدوه من المعروف و الإحسان.
2 ـ الترحم عليهم و الإستغفار لهم تحقيقا لقوله تعالى :« و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم »[ الحشر : 10 ]
3 ـ الكف عن مساوئهم التي إن صدرت عن أحد منهم فهي قليلة بالنسبة لما لهم من المحاسن و الفضائل و ربما تكون صادرة عن اجتهاد مغفور و عمل معذور لقوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ :« لا تسبُّوا أصحابي ... » الحديث سبق تخريجه [ شرح لمعة الإعتقاد لابن قدامة المقدسي للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ ص : 110 ـ 111 ط . دار البصيرة ]
فضائل الأربعة الراشدين و الأئمة المهديين
ـ بعد هذا العرض لعقيدة أهل السنة في الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ نذكر بعض فضائل الأربعة الراشدين و الأئمة المهديين رضي الله عنهم و أرضاهم أجمعين فقد وردت الأدلة القطعية و تواترت السنة النبوية بفضائل الأربعة الخلفاء ـ رضي الله عنهم ـ و من هذه النصوص النبوية التي ذكرت فضائلهم :
• عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال :« لألزمنّ رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لأكونن معه يومي هذا, قال : فجاء المسجد فسأل عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فقالوا خرج وجه هاهنا, قال فخرجت على إثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس قال : فجلست عند الباب ـ و بابها من جريد ـ حتى قضى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ حاجته و توضأ, فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس و توسط قـُفها, و كشف عن ساقيه و دلاهما في البئر قال : فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت : لأكوننّ بواب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : أبو بكر فقلت : على رسلك قال : ثم ذهبت فقلت : يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال : ائذن له و بشِّره بالجنّة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر : ادخل و رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يبشّرك بالجنّة قال : فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ معه في القـُف و دلى رجليه في البئر كما صنع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و كشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست و قد تركت أخي يتوضأ و يلحقني فقلت : إن يُرد الله بفلان ـ يعني أخاه ـ خيرا يأت به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : عمر بن الخطاب, فقلت : على رسلك, ثم جئت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فسلمت عليه و قلت : هذا عمر يستأذن فقال : ائذن له و بشّره بالجنّة, فجلس مع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في القـُف عن يساره, و دلى رجليه في البئر ثم رجعت فجلست فقلت : إن يرد الله بفلان ـ يعني أخاه ـ خيرا يأت به فجاء إنسان فحرك الباب فقلت : من هذا ؟فقال : عثمان بن عفان فقلت : على رسلك قال : و جئت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فأخبرته فقال : ائذن له و بشره بالجنّة مع بلوى تصيبه, قال : فجئت فقلت : ادخل و يبشرك رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالجنّة بعد بلوى تصيبك قال : فدخل فوجد القـُف قد مُلئ فجلس وجاههم من الشق الآخر » [ رواه البخاري 13 / 48 الفتن و مسلم 15 / 171 ـ 172 فضائل الصحابة و الترمذي 13 / 163 ـ 164 المناقب و قوله « قُفها » : ما ارتفع من متن الأرض و هو هاهنا جدار مبني مرتفع حول البئر كالدكة يتمكن الجالس عليه من الجلوس ].
• قال النووي ـ رحمه الله ـ :« و فيه فضيلة هؤلاء الثلاثة و أنّهم من أهل الجنّة و فضيلة لأبي موسى و فيه جواز الثناء على الإنسان في وجهه إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب و نحوه و فيه معجزة ظاهرة للنبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ لإخباره بقصة عثمان و البلوى و أن الثلاثة يستمرون على الإيمان و الهدى » [ مسلم 15 / 171 ـ 172 ].
• و عن سهل بن مسعد ـ رضي الله عنه ـ أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال :« لأعطينّ الراية غدا ً رجلا ًيفتح الله على يديه » قال : فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها فلما أصبح النّاس غدوا على رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ كلهم يرجو أن يعطاها فقال : أين عليّ بن أبي طالب ؟ فقالوا : يشتكي عينيه يا رسول الله قال :« فأرسلوا إليه فأتوني به » فلما جاء بصق في عينيه و دعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال عليّ : يا رسول أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام و أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه, فوالله لإن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حُمر النَّعم » [ رواه البخاري 7 / 70 فضائل الصحابة, مسلم 15 / 177 ـ 179 فضائل علي, و قوله « يدوكون » أي : يخوضون. و قوله : « حُمر النَّعم » حمر الإبل و هي أعزها و أنفسها ]
أخي الحبيب إن أردت أن تعرف المزيد و المزيد عن سيرة الخلفاء الراشدين و الأئمة المهديين فانتظرنا على مائدة شهر رمضان عقب صلاة العصر يوميا مع سلسلة : « مع الخلفاء الراشدين » أسأل الله تعالى أن يُسلـِّمنا إلى رمضان و يُسلِّم رمضان لنا و أن يتسلـَّمه منّا مقبولا. و الله الموفق.
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد
سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية
إقليم السارلند ساربروكن ألمانيا
- التفاصيل
-
نشر بتاريخ: الأحد، 08 آب/أغسطس 2010 00:56
-
الزيارات: 4125