تربية الأبناء في الإسلام

تربية الأبناء في الإسلام
 
 
 
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
 
ثم أما بعد,
 
فلأن الأبناء هم رياحين الحياة و فلذات الأكباد فقد وصى الله تعالى الأبوين بهم خيرا و أمر النبي صلى الله عليه و سلم بحسن رعايتهم و تأديبهم و رحمتهم فقال صلى الله عليه و سلم: " خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي".
و أعظم ألوان الخير لأفراد الأسرة حسن الرعاية و التأديب و لذا يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"[التحريم 6]
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية " قُوا أنفسكم و أهليكم نارا" قال: أدّبوهم و علّموهم.
و قال الأحنف بن قيس يعظ معاوية في فضل الولد:
" يا أمير المؤمنين هم ثمار قلوبنا و عماد ظهورنا و نحن لهم أرض ذليلة و سماء ظليلة و بهم نصول على كل جليلة فإن طلبوا فأعطهم و إن غضبوا فأرضهم يمنحوك وُدّهم و يُحبُّوك جهدهم".
و من أعظم صور تربية الأبناء تربيتهم على العقيدة الصحيحة و غرس الإيمان في نفوسهم و يبدأ هذا قبل أن يأتي الأبناء باختيار الأمّ الصالحة المؤمنة صاحبة الأخلاق الكريمة و كذلك اختيار الأب الصالح صاحب الدين و الخُلق ثم عندما يكونوا أجنّة في بطون الأمهات فالأم المؤمنة التي تكثر من ذكر الله تعالى أثناء حملها و التي تستمع إلى القرآن الكريم بقلبها قبل أذنيها و تخشع مع كلام ربها تنتقل تلك المشاعر الإيمانية إلى جنينها في رحمها فيتربى التربية الإيمانية المنشودة و هو داخل الرحم. و عندما يولد الإبن أو الإبنة نبدأ بالآذان في أذنيهما فتكون كلمات التوحيد أولى الكلمات التي تقرع أذن الأبناء عند مجيئهم إلى هذه الحياة. و الطفل الذي ينشأ بين أبوين صالحين مؤمنين فإنه كثيرا ما يسمع ذكر الله و توحيد ربّه و الصلاة على نبيّه فتغرس فيه العقيدة منذ صغره. لذلك كان النبي صلى الله عليه و سلم حريصا على تعليم النشأ منذ الصغر العقيدة الصحيحة.
خرّج الترمذي من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:" كنتُ غلاما صغيرا و كنت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لي: إني اعلمك كلمات, احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تُجاهك إذا سألت فاسأل الله و إذا استعنت فاستعن بالله و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك و لو اجتمعوا على أن يضرّوك بشئ لم يضرّوك إلا بشئ قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام و جفّت الصحف".
 فعلى الأبوين تعليم الإبن منذ الصغر التوحيد عن طريق بيان فضل التوحيد و بيان المقصد من خلقنا و يكون ذلك عن طريق السلوكيات الإيمانية و عن طريق القصص التي تُرسخ الإيمان في نُفوس الأبناء و إليكم نماذج لبعض القصص الإيمانية التي تُرسخ الإيمان في نفوس الأبناء فمثلا :
ـ تحت عنوان " الله يرانا " نحكي لأبنائنا قصة بنت بائعة اللبن عندما مرّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليلا يطمئن على حال رعيته فسمع حوارا من داخل بيت بين أمّ و ابنتها, قالت الأم: يا ابنتي جاء الصباح قومي فاخلطي اللبن بالماء حتى يكثر فنربح أكثر.
البنت: يا أمّاه لقد نهانا رسولنا الكريم عن الغشّ فقال " من غشّنا فليس منّا " و نهى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن خلط اللبن بالماء. الأمّ: يا ابنتي إن عمر لا يرانا و لا أحد يرانا. البنت: أمّاه إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا.
فأُعجب عمر رضي الله عنه بهذه الفتاة المؤمنة و زوّجها لابنه عاصم رضي الله عنه و كان من ذريتها أشجّ بني أُمية الذي ملأ الأرض عدلا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
ـ تحت عنوان" الله مطّلع عليّ " احكي له هذه القصة: بعد أن فرغ المعلّم من تعليم تلامذته أراد أن يختبرهم و يمتحنهم. المعلّم: أيها التلاميذ اذهبوا و ليأت كل تلميذ بطائر و سكين, و جاء التلاميذ بما طلبه المعلّم.
المعلّم: الامتحان سهل و يسير فليذهب كل تلميذ فيذبح طائره في مكان لا يراه فيه أحد. انطلق كل تلميذ و ذبح طائره إلا تلميذ عاد بالطائر و لم يذبحه. المعلّم: لماذا لم تذبح طائرك؟ التلميذ: معلّمي ذهبت يمينا و يسارا فلم أجد مكانا خاليا من علم الله تعالى.
ـ تحت عنوان" الله رحيم " احكي له قصة الكفل من بني اسرائيل.
ـ تحت عنوان" الله رزّاق " احكي له قصة الضفدع مع الدودة في عهد نبي الله سليمان.
ـ تحت عنوان" الله قادر " احكي له قصة فرعون و كيف أغرقه الله في بحاره.
ـ و قصة النمرود بن كنعان و كيف أهلكه الله ببعوضة.
و هكذا نغرس في نفوس أبنائنا الإيمان الصادق و العقيدة الصحيحة.
 
 
 
 
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد
سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية
إقليم السارلند ساربروكن ألمانيا