- التفاصيل
-
كتب بواسطة: admin
-
المجموعة: مؤلفات مختلفة
منزلة الصدق
الحمد لله و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله.
ثمّ أمّا بعد,
أحبّتي في الله لقاؤنا اليوم مع مكرمة من مكارم الأخلاق تحقق لصاحبها الدرجات العلى عند ربّه عزّ و جلّ، إنّها منزلة الصّدق.
الله عزّ و جلّ خلق السّماواتِ و الأرض بالحقّ وخلق جميع خلقه بالحقّ و أراد من خلقه أن يسيروا وفق هذا الحقّ، فبالحقّ يسعد الإنسان في الدنيا والآخرة و الصدق هو قول الحقيقة والعمل بها, فالصدق مُوافقة القول و العمل و الحال للحقّ و عدم الزّيغ عنه.
قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" [التوبة 119]
نداء حبيب من الرب الجليل لعباده المؤمنين يأمرهم بما فيه سعادتهم و نجاتهم.
" اتَّقُواْ اللَّهَ" خافوا الله و اجعلوا بينكم و بين محارمه وقاية و سترًا، افعلوا الخير و ابتعدوا عن الشر.
" وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" أمر من الله تعالى باختيار الصّحبة الطيّبة التي تُعينك على الحقّ...الزَمهم و انهل مما عندهم من خير لتسعد بصحبتهم في الدنيا و الآخرة، فالصدّق في القول نجاة و في العمل فوز, و الصدّق ينشر الثقة و الطمأنينة.
فهذا هو النبي محمد –صلى الله عليه و سلّم- الذي لقّبه قومه قبل البعثة بالصّادق الأمين لأنّ الصدّق كان صفته في قوله و عمله و حاله كله, لذا عُرف به فكان يُعرف بالصّادق الأمين, و الصدّق طمأنينة و ثقة.
في الجاهلية و قبل البعثة تعرضت مكة لسيل جارف أدّى إلى هدم البيت الحرام و اجتمعت القبائل لإعادة البناء و لمّا وصلوا إلى موضع الحجر اختلفت القبائل, فكل قبيلة تريد أن تنل هذا الشرف و كاد القتال أن ينشب بين القبائل فقام أحد عقلائهم و قال نحتكم إلى أول من يدخل علينا فقالوا : نِعم الرأي، فكان أول داخل عليهم هو نبيّنا–صلى الله عليه و سلّم- فقالوا جميعا رضينا بالصادق الأمين– الله أكبر هذا هو أثر الصّدق– فحكّموه بينهم فخلع رداءه و وضع الحجر في وسطه و قال فليخرج من كل قبيلة شيخُها و ليحمل كل واحد من طرف الثوب و احملوه جميعا فحملوه جميعا ثمّ حمله النّبي بيديه و وضعه في موضعه و قضى على الخلاف بصدقه و أمانته...حقّا ما أعظم الصّدق!!
موقف آخر عندما نزل قول الله تعالى على رسول الله: " و أنذِر عشيرتك الأقربين" و صعد النّبي فوق الصفا و نادى بطون قريش و اجتمعوا و كُلّ يقول: الصّادق الأمين ينادي فوق الصفا فقال لهم: " يا معشر قريش لو أخبرتكم أنّ خيلا تُغير عليكم من خلف هذا الوادي أكنتم مصدّقِيَّ؟ " قالوا: ما عهدنا عليك كذبا قط فقال لهم: " إنّي رسول الله إليكم جميعا مَنْ أطاعني دخل الجنّة و من عصاني دخل النّار، يا قوم قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا ", فقام عمّه أبو لهب و قال له: " تبًّا لك إلهذا جمعتنا ".
وتبًّا معناه الموت و الهلاك، فنزل جبريل عليه السّلام بسورة من سور القرآن فيها الدفاع عن رسول اللّه هي سورة المسد يقول اللّه فيها: " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ،مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ".
والشاهد أنّ النبيّ–صلّى الله عليه و سلّم- عندما سألهم قالوا: ما عهدنا عليك كذبا قطّ فأنت الصادق الأمين، فالصّدق طمأنينة، والصدق طريق في نهايته الجنّة.
عن عبد اللّه ابن مسعود-رضي اللّه عنه- قال رسول الله–صلّى الله عليه و سلّم-: "إنَّ الصّدق يهدي إلى البِرّ و إنّ البِرّ يهدي إلى الجنّة و إنّ الرّجل ليصدُقُ حتّى يُكتب عند الله صدّيقًا و إنّ الكذب يهدي إلى الفجور و إنّ الفجور يهدي إلى النّار و إنّ الرّجل ليكذب حتّى يُكتب عند الله كذّابًا" [رواه مسلم]
حقًّا ما أعظم الصّدق فعلينا أن نلتزم الصّدق و أن نصاحب الصّادقين و نبتعد عن الكذّابين فبالصّدق يصل العبد إلى أعلى الدّرجات و ما لُقّب أبو بكر بالصّدّيق إلاّ بسبب تصديقه للنّبي–صلّى الله عليه و سلّم-فلقّبه النّبي بالصّدّيق.
فما أعظم الصّدق و ما أعظم أثره في نشر الخير بين النّاس، ففي الحديث من قصة إسلام عبد الله بن سلام -رضي اللّه عنه- و كان حبرًا من أحبار اليهود يقول: " لمّا قدم محمد –صلّى الله عليه و سلّم- إلى المدينة مهاجرًا وقف بسوق من أسواقها و دعا النّاس فرأيت كلّ صاحب تجارة ترك تجارته و كلّ صاحب حانوت ترك حانوته واجتمعوا إليه فقلت أذهب لأراه فلمّا نظرت إلى وجهه علمت أنّ هذا الوجه ليس بوجه كاذب أبدًا و سمعته يقول: " أيّها النّاس أفشوا السلام وأطعموا الطعام و ألينوا الكلام و صلوا الأرحام و صلّوا باللّيل والنّاس نيام تدخلوا الجنّة بسلام "، يقول عبد الله بن سلام فخرجت من بين النّاس و أنا أقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله أشهد أنّ محمدًا رسول الله.
فيا أخي كن صادقًا مع ربّك باتّباع منهجه ... كن صادقًا مع نبيّك باتّباع سنّته ... كن صادقًا مع نفسك مع من تعامل إن أردت النّجاة.
فاللّهمّ اجعلنا مع الصادقين، نسألك الجنّة و ما قرّب إليها من قول أو عمل و نعوذ بك من النّار و ما قرّب إليها من قول أو عمل.
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو أحمد
سيد عبد العاطي بن محمد
إمام و خطيب الجمعية الإسلامية
إقليم السارلند ساربروكن ألمانيا
- التفاصيل
-
نشر بتاريخ: الأحد، 26 أيلول/سبتمبر 2010 15:51
-
الزيارات: 7806